في كثير من المناسبات التي تحدث فيها ساسة الادارة الامريكية السابقة التي قادها جورج بوش الصغير عن عدوانهم الهمجي على العراق، اذ كانوا يتوقعون ان الحرب ستستمر الى ما لا يقل عن الستة اشهر وكانوا يتوقعون ان خسائرهم البشرية والمادية في بداية العدوان ستكون مرتفعة نتيجة لذلك وقوة المقاومة العراقية بغض النظر عن اكذوبة استقبالهم بالورود التي كانوا يرجون لها للتغطية على عدوانهم، وان سيناريو الحرب كان معد بشكل مغاير كليا لما جرى عليه وقد تغير نتيجة لاسباب كثيرة فرضتها طبيعة المعارك والاسلحة المستخدمة فيها ورؤيا القيادات العراقية في حينها لطريقة سير المعارك وطبيعة المواجهة وتغير تكتيكاتها الى حرب عصابات، ورغم كلفة الحرب العالية حسب كل توقعات المحللين العسكريين والسياسيين وما يمكن ان ينتج عنها من انهار دم على اهميتها خصوصا في عصر بلغ فيه التطور الحضاري الى مديات متقدمة فان بوش كان مصرا على المضي فيها على معرفته بكذب ادعاءاته التي اختلقها لتبرير ذلك العدوان وقد مارس ضغوط شتى في اروقة المنظمة الدولية ومن خلال الانفراد بالقرار الدولي والهيمنة على صياغته ليستمد الشرعية الدولية من جهة ولتقليل حجم الخسائر التي ستلحق به من جهة ثانية، وهذا الامر لابد ان يوحي للمتتبع ان هناك امر ابعد واهم بكثير من كل التضحيات والخسائر الامريكية وان ما سيجنى او ما ستحققه تلك الحرب بكل ما تحمل من قساوة يفوق في محصلته النهائية بتناسب وتوازن مدروس ما ستجنيه الدولة العظمى ولابد انها تهدف الى ما هو اهم خصوصا وان الادارة الامريكية تختلف عن الادارة الصومالية مثلا او اي من ادارات حكوماتنا العربية الازلية فهي لا ترتجل في اتخاذ القرارات التي تعتبر ستراتيجية حيث تخضع للمراجعة والتمحيص عدة مرات ويتم دراستها في اكثر من دهليز من دهاليز الحكم الديمقراطي الامريكي قبل ان تدخل حيز التنفيذ الفعلي.
ولسنا هنا بصدد تحليل اسباب ودوافع العدون الامريكي البغيض على العراق كدولة ذات سيادة وقل كبير في محيطها الاقليمي او في الصعيد الدولي وبطلان ادعاءات ادارة الشر الامريكي انذاك بقدر ما يهمنا الوقوف على حقيقة واحدة هي ان امريكا لم تكن تسعى لتجني من الحرب السيطرة على ثروات العراق فحسب، على اهمية هذا الهدف الذي تعتبره تحصيلا حاصلا بقدر سعيها لاستهداف المشروع الوطني القومي التحرري الحضاري الذي تتبناه ولا زالت القيادة السياسية العراقية والمنهج الفكري العقائدي الذي اختطه لنفسه حزب البعث العربي الاشتراكي عبر تجربته النضالية وعمل على تحقيقه وتوظيف كل الطاقات والامكانيات المادية والبشرية لخدمة ذلك المنهج، فاذا تتبعنا مسوغات العدوان الامريكي الكاذبة التي قدمها بوش واركان حكمه ابتداءا من امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل وتهديده لامن واستقرار المنطقة والعالم وانتهاءا بتخليص العراق من قياداته وتحقيق الديمقراطية فيه لا ولن نجد فيها ما يتناسب مع الجرم الامريكي الخطير بما يحمل هذا المفهوم من معاني كثيرة خصوصا وان ما حصل بعد العدوان كان اعظم خطرا في كل ناحية ذهبت اليها ادارة بوش وكانت المنطقة ستصبح اكثر استقرار لو لم يحصل العدوان واحتفاظ القطر بكل مقومات الدولة العصرية التي بناها حزب البعث العربي الاشتراكي وحتى بعده الى هذه اللحظة، ولن يختلف اثنان في هذا، فان الهدف من العدوان لم يتحقق على الرغم من كل ما جرى ويجري..!!! وان العدوان لم يكن وليد ساعته او ردة فعل انتقامي متهور ومتسرع على تفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك بل يتعدى ذلك الى ما قبل العدوان الايراني على القطر مطلع ثمانينات القرن الماضي ولا حتى ناتج عن المسألة الكويتية بل كل تلك الاحداث القاسية التي كانت مفروضة على العراق هي صفحات لما تلاها من اشكال عدوان فشلت في تحقيق غاياتها بسبب حكمة قيادة العراق السياسية.
فما هو الهدف اذن من هذا العدوان؟؟
ليس من قبيل التهويل وليس بحقيقية خافية على من يملك ادنى شعور بالوطنية هي ان الادارات الامريكية المتعاقبة منذ ما يقارب نصف قرن لها خط واحد ثابت يتبنى حماية الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ويسعى بكل امكانياته لضمان امن هذا الكيان لما يترتب من نتائج ليست خافية على احد تلبي المصالح الغربية عموما والامريكية خصوصا نتج عنها استهداف كل نهج عروبي اسلامي مقاوم لهذا الاغتصاب ولما كان العراق بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي يمثل مركز ثقل في التوازنات الاقليمية الساعية الى ازالة الوجود الصهيوني من خلال ما يقدمه من دعم للجبهات التي تقاتله وحجر عثرة في طريق تحقيقه لاهداف وجوده كان لابد من سعي يتناسب مع الغايات التي من اجلها زرع الكيان الصهيوني كاداة تفتيت وبعثرة في قلب امتنا من جهة وبين الثقل الكبير الذي يمثله الفكر البعثي من جهة ثانية وجرى ويجري اعداد وتطوير شتى انواع السيناريوهات التي تحقق هذا الهدف ابتداءا من شخصنة العدوان على العراق بالقيادات السياسية الوطنية واسرها ومن ثم تصفيتها وليس انتهاءا بقرارات اجتثاث البعث وقد تم تسخير كل امكانيات ادارة المعارك على كل الجبهات منذ ذلك الحين الى يومنا هذا لهذا الغرض.
هنا لابد من التطرق الى منهجية حزب البعث العربي الاشتراكي واساسيات عمله واولياتها، فمن الامور الطبيعية بسبب اتساع ساحة عمل حزب البعث العربي الاشتراكي وانفتاحه لاستيعاب كل اطياف الشعب في العراق كاحد اهم التزاماته لقيادة الجماهير وما امتاز به من تسامح ان حصلت ثغرات سمحت بمرور بعض العناصر الانتهازية التي تسلقت حتى بلغت مناصب قيادية لمعت ثم هوت ظل قسم منها لفترات طويلة في بعض مفاصل هيكلية الحزب وخصوصا المتقدمة منها لما لها من تأثير في صناعة القرار البعثي لم تستطع التخلص من صفاتها واساليبها الرخيصة رغم تمظهرها بالوطنية اجتهدت في الاساءة للحزب خلال الفترة الماضية من خلال ممارسات خاطئة تلبية لمصالحها وانانيتها واصبحت الان تمثل جزءا من عملية استهدافه من خلال نيلها من مسيرته ومن قياداته وهذه العناصر ونتيجة لضعف في ايمانها وعقيدتها وانتماءها الى الحزب تمكنت القوى المعادية من استقطابها وتجنيدها لتحقق ما عجز المحتل عن تحقيقه وعلى كون هذا من الامور الطبيعية التي قد تحصل في اي حزب عقائدي مهما كانت صلابته الا انها اصبحت معاول هدم في جسم الحزب الذي بات اليوم اقوى بكثير من الامس لسبب بسيط هو انه تخلص من الجزء الاكبر من هؤلاء الشراذم وبسبب تنامي خبرته الجهادية في ظروف العمل السري خصوصا مع الاجيال التي لم تتعرف بشكل كافي على اساليب العمل السري لحداثة سنها، وهذه حقيقة ادركها العدو قبل الصديق.