هيفاء زنكنة
يشن نظام حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي حملتين متزامنتين، في آن، لمواجهة الغضب المتبدي في المظاهرات والاعتصامات الشعبية المستمرة منذ ما يزيد على الشهرين، في العديد من المحافظات والمدن. الحملة الاولى هي حملة اعلامية ذات اغراض متعددة.
من بينها تبييض وجه النظام عن طريق تشكيل اللجان والتي صارت تبدأ بلجان سباعية تراقب عمل لجان سداسية وتتفرع الى لجان ثلاثية تفرخ بدورها لجانا ولجانا ولا احد يسمع بنتائجها. بالاضافة الى اطلاق تصريحات، لانهاية لها، عن احترام النظام لمطالب المتظاهرين ' المشروعة، والقانونية، والدستورية، والسلمية، وغير الطائفية'. أي ان تكون مطالب المتظاهرين وفق اهواء ورغبات وانتقائية النظام، ووفق تفسيره الزئبقي لما هو قانوني ودستوري وشرعي. مما يذكرني بقصة سمعتها عند زيارتي للجزائر، منذ عقدين من الزمن، عن واعظ ديني وقف امام حشد من الجياع مبينا لهم مواصفات الخروف الذي يتوجب عليهم اختياره للتضحية في عيد الاضحى. فذكر وزنه ووجوب تمتعه بالصحة وقوة الحركة ولمعان صوفه وصوته الموسيقي. ليضيف بعد سرده قائمة مستحيلة من المواصفات قائلا، بصوت جهوري: ولاتنسوا … لاتنسوا يا اخوتي في الدين . لاتنسوا اسنانه . يجب ان يكون في فمه سن من ذهب'!
وينطبق شرط سن الذهب، ربما لأسباب أخرى، تعجيزية هذه المرة، على بعض المثقفين الصامتين أو كتبة التهويمات التحذيرية الغامضة عن الاعتصامات، على الرغم من استمرارها وأحقيتها ومساس مطالبها الانسانية بحياة كل مواطن. فهم يضعون شروطهم ومواصفاتهم على الانتفاضات الشعبية، وهي حالة لا يتسع لها المجال حاليا.
أما حملة النظام الثانية، فتشمل الدسائس والتشويهات المستهدفة للمعتصمين بالاضافة الى اساليب الترويع والقمع المختلفة. وهي الوجه الحقيقي للنظام الذي يجب التزام الحذر تجاهه اذا ما أريد للاعتصامات استمرارها. فقد يكون لحملات التشوية وزرع الفتنة والدسائس مفعولها، خاصة في حال استمرار الاعتصامات لفترة طويلة.
عند جرد يوميات حملة النظام الثانية على المتظاهرين، حتى اليوم، تتبين اساليب التعامل الارهابية التالية: أطلاق النار على المتظاهرين مما سبب استشهاد سبعة وجرح 44، بعضهم اصيب بجروح خطيرة. اغتيال عدد ممن شاركوا في التظاهرات او دعوا اليها. مداهمة البيوت وتفتيشها واعتقال متظاهرين او من يساند المعتصمين في مدن مختلفة. اذ قامت قوات النظام الأمنية باعتقال الشيخ محمد الزيدي، أحد أئمة وخطباء ناحية جلولاء شمال شرق بعقوبة، بتهمة دعمه للتظاهرات السلمية التي تشهدها المحافظة، واقتادته إلى جهة مجهولة، يوم 12 / 2، اعتقال المتحدث باسم متظاهري قضاء الحويجة دحام الجبوري. محاولة اعتقال المتحدث باسم متظاهري محافظة الانبار سعيد اللافي، فقال المتظاهرون: 'اللافي موجود في ساحة الاعتصام ولن نسمح لأية قوة باعتقاله'.
فرض حصار على مدينة الأعظمية ببغداد. مداهمة جامع الإمام أبي حنيفة النعمان والمقبرة التابعة له. منع الاهالي من الدخول والخروج من المنطقة، والتضييق عليهم في مصادر رزقهم، ومطالبة اي شاب في الشارع بوثيقة تثبت كونه من أهل المنطقة والا تم توقيفه الى ان يدفع الرشوة، صغيرة كانت أم كبيرة. فرض حصار شبه كلي على مدينة بغداد وتحديد نقاط الدخول والخروج. معاملة القادمين الى بغداد من المحافظات الاخرى باساليب تعسفية وتوجيه الاهانات اليهم واعادتهم من حيث أتوا حتى ولو كانوا مرضى قادمين للعلاج. نشر نقاط تفتيش اضافية في بغداد (كأن ما فيها من 1400 نقطة تفتيش تنافس نقاط التفتيش الصهيونية غير كاف) خوفا من انتشار التظاهرات ولمنع المواطنين من الوصول الى المساجد لاداء الصلاة ايام الجمع.
والمعروف ان بعض منتسبي الأمن من ضعاف النفوس يجدون في نقاط التفتيش مكانا لاظهار السطوة عبر اهانة الناس والسخرية منهم واطلاق الشتائم الطائفية، بالاضافة الى محاولة عزل الناس وتقييد حركتهم لاحكام السيطرة عليهم ومنعهم من النشاط الموحد.
هذه بعض تكتيكات النظام لاضعاف سيرورة الحركة الجماهيرية في ظل انحسار حملة التشويه الطائفي، المتعمدة، خلال الاسبوعين الاوليين من الاعتصامات، وبعد سقوط اكذوبة التوصيف 'الارهابي، البعثي، القاعدي'، وتقارب مطالب المتظاهرين مع مطالب ابناء الشعب برمته والرامية الى احلال السلم والامان وتحسن الخدمات والاوضاع المعيشية ووضع حد للفساد المتجذر في نخاع النظام بكافة مسؤوليه.
ولم يكف المسؤولون ومعظم النواب عن اطلاق الاكاذيب المفضوحة بلا خجل. فهاهو النائب (تصوروا انه نائب يفترض فيه تمثيل الشعب) عن ائتلاف دولة القانون علي العلاق يقول بأن 'المطالب التي سميت مشروعة فيعتقد انها انتهت'، حسب موقع 'احباب النائب كمال الساعدي'. واذا كان هذه صحيحا، فماذا عن المسؤولين عن حالات الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة العراقية؟ ماذا عن المرأة المسنة التي تحدثت، عبر قناة فضائية، عن تعرضها للاغتصاب في محافظة ديالى على يد ضابط في الأجهزة الأمنية بسبب مطالبتها بابنها المعتقل. وهذه الحالة المفجعة ليست فريدة من نوعها فالمعروف ان المرأة التي تحاول زيارة احد اقربائها المعتقلين او تبحث عن المفقودين، غالبا ما تتعرض للابتزاز المادي والجنسي الذي يصل الى حد الاغتصاب من قبل القوات الامنية المفترض واجبها حماية الناس لا الاعتداء عليهم. فهل تم تقديم احد رجال الامن والشرطة والمحققين الى العدالة من قبل عشرات اللجان التي تم الاعلان عن تشكيلها؟ هل تم ردع احدهم ليكون عبرة لمن اعتبر خاصة وان الاعتداء على المرأة، ايا كانت، جريمة لا تغتفر قانونيا واخلاقيا وشرعيا سواء على مستوى العراق ام العالم، وان احترامها وصيانة حقوقها هو مقياس حضارة المجتمعات والحكومات؟ ام ان الاعتداء على المرأة والرجال هو سمة 'العراق الجديد' الموصومة على جباه مسؤوليه، ولن تزول الا بغسلها.
أن هذه الثورة السلمية ستتسع، ان آجلا ام عاجلا،، لتضم ابناء الشعب كله، وستشمل مطالب الخدمات الصحية والتعليمية والسكن والبطالة. فهذه الثورة، كانت قد بدأت في الموصل ثم الأنبار إحتجاجا على إغتصاب المعتقلات، وتطورت نحو مطالب العدالة ورفض التمييز الطائفي الصارخ، وتجاوزات الأحزاب والساسة المشتركين بالعملية السياسية بفسادهم وإنتهازيتهم، ونادت بمعاقبة مرتكبي الجرائم في الأجهزة الأمنية المنخورة بالفساد، ثم بالتغييرات القانونية والدستورية لما جاء به الإحتلال وورثته. ولأن للتظاهرات الشعبية آليتها الخاصة المرتبطة بتفاعلات المجتمع والظروف المحيطة فأن نضج الظروف الموضوعية وانضمام الساكتين، حتى الآن، الى المعتصمين، كما نادى ممثلو نقابات مدينة الموصل، سيحقق العدالة للجميع بدون الحاجة الى السير تحت مظلات احزاب تستخدم الطائفية رداء لستر فسادها.