صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور« الامريكية نشرت في الأسبوع الماضي تفاصيل ما جرى في اجتماع سري عقد منذ نحو شهر بين الرئيس العراقي جلال طالباني وعدد من كبار المسئولين العراقيين، وقائد فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني. الصحيفة اوردت هذه المعلومات نقلا عن مسئول امريكي بناء على تقرير قدمه طالباني إلى الامريكيين عن الاجتماع. بحسب هذه المعلومات، فان سليماني وعد بوقف تسليح الجماعات في العراق والتأكد من ان هذه الجماعات سوف توقف عملياتها ضد القوات الامريكية. واعطى سليماني لطالباني رسالة لتسليمها الى الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الامريكية في العراق . في الرسالة يقول ان مجال صلاحياته، أي صلاحيات سليماني، يشمل العراق وغزة ولبنان، وانه مستعد لأن يرسل
«فريقا صغيرا« لمناقشة أي قضية من هذه القضايا مع الامريكيين. وتحدث سليماني في الاجتماع عن «مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة في العراق تلبي المطالب الامريكية« بحسب وصف ما جرى في الاجتماع. ونقل طالباني عن سليماني قوله له: «يجب ان نعمل جميعا معا. العراق وايران والولايات المتحدة من اجل استقرار الوضع«. واعرب عن دعم ايران لحكومة المالكي في جهودها لنزع سلاح الميليشيات وقال: «اننا ندرك الآن ان الصدريين خرجوا عن سيطرة الجميع، وان هذا يعتبر تطورا خطيرا بالنسبة الى العراق وايران والى كل الشيعة«. وقال سليماني ايضا بحسب ما ذكره المسئول الامريكي عن الاجتماع ان ايران «لن تقف في طريق توقيع العراقيين لاتفاقية طويلة الامد مع امريكا تنظم الوجود الامريكي في العراق«. واعتبر ان هذه الاتفاقية «امر جيد بالنسبة إلى العراق«. لو صحت هذه المعلومات التي اوردتها الصحيفة الامريكية عما جرى في الاجتماع، والارجح انها صحيحة، فإننا لو تأملناها من وجهة النظر العربية، سنجد انها تكشف عن جوانب لا تدعو ابدا الى الاطمئنان. اولا: كون الذي يتفاوض مع الرئيس العراقي والمسئولين العراقيين باسم ايران ليس مسئولا سياسيا ايرانيا، وانما قائد فيلق القدس بالذات، هو بحد ذاته مؤشر الى أي حد وصل النفوذ والتغلغل الايراني في العراق، والى ان المسئوليين العراقيين والامريكيين يتعاملون مع هذا كأمر واقع مسلم به. ثانيا: ان الجنرال سليماني كما نلاحظ يتحدث بمنطق ان ايران هي التي تملك كل مفاتيح اللعبة في العراق. فهي القادرة وحدها على كبح جماح الميليشيات لو أرادت، وعلى دفعها إلى وقف الهجمات ضد القوات الامريكية. بل يشير الى ان ايران تملك حق «الفيتو« على أي قرار سياسي للحكومة العراقية. فهي قادرة مثلا بحسب كلامه على ان تعرقل او لا تعرقل محادثات عقد اتفاقية بين الحكومة العراقية وامريكا حول مستقبل الوجود الامريكي في العراق. ثالثا: يلفت النظر اشارة سليماني، في معرض حديثه عن التيار الصدري، إلى «الخطر الذي يمثله على ايران وكل الشيعة«. ويعني هذا ان ايران في نظرها وحكمها على أي قضية او تطور في المنطقة تعطي البعد الطائفي اولوية قصوى. فالمعيار الاساسي بالنسبة اليها عند اتخاذ موقف ما او الحكم على تطور ما هو الى أي حد يخدم او لا يخدم المصلحة الشيعية. رابعا: وكما نلاحظ ، فان الجنرال سليماني يضع نفوذ ايران، ونفوذه هو شخصيا، في اطار المنطقة كلها من العراق الى لبنان الى غزة. وهو باشارته هنا الى استعداده لمناقشة التطورات على هذه الجبهات مع الامريكيين فانه يلمح صراحة الى ان هذه القضايا هي اوراق مساومة تملكها ايران في صراعها مع امريكا. هذه هي قراءتنا لما قاله الجنرال سليماني وعرضه في الاجتماع. وبغض النظر عن وجهة النظر الامريكية فيما قاله وعرضه، فمن وجهة النظر العربية ، ليس في كل هذا ما يمكن ان يطمئن بالنسبة إلى مواقف ايران وطريقة تفكيرها وتقديرها لدورها ازاء قضايا وتطورات المنطقة.
نشر في : أخبار الخليج