ريم خليفة
التقيته قبل أيام في أحد المحلات، هذا الشخص هو مواطن بحريني من الجالية الفلبينية، اكتسب الجنسية البحرينية منذ سنوات وعاش في البحرين فترة طويلة… وفاجأني بمفاتحتي بما يدور في خلده، وذلك بعد أن قال لي: «أعرف أنك صحافية».
أخبرني كم أنه متفاجئ من خبر سحب الجنسية من واحد وثلاثين مواطناً بحرينيّاً، وقال: «نحن في الفلبين لا تسحب الجنسية بالصورة التي حدثت في البحرين. أنا فلبيني أحمل الجنسية البحرينية، مستاء جدّاً من هذا التصرف غير الإنساني… ثم ماذا سيحدث لي أنا لو عبّرت عن رأيي بصراحة، فإذا كانت الحكومة تسحب الجنسية من مواطنين وهم أبناء البلد وبجرة قلم، فبالنسبة لي لن يكون الأمر أفضل، وربما لن يكون هناك حتى إعلان رسمي، وسيرسلونني إلى الفلبين بصورة مهينة، أنا آسف أنني أجد نفسي أتحدث بطريقة متشائمة عن البحرين التي أحببت العمل فيها، وأحببت مجتمعها الذي لم أرَ منه أي سوء، نحن في الفلبين لسنا أغنياء لكن على الأقل يوجد احترام للإنسان ويوجد قانون لا يتم استخدامه بحسب الرغبة السياسية، وأنا من بلد يخرج المتظاهرون في الشوارع من دون أن تعترضهم الشرطة بالطريقة التي تحدث هنا في البحرين، والشرطة في الفلبين لا تمنع الناس من إطلاق شعارات مناهضة للحكومة للتعبير عن مطالبهم…».
هذا كلام فلبيني يحمل الجنسية البحرينية؛ لم أغير في فحواه شيئاً سوى نقله من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، وهو كلام يعبر عن شيء جديد في مجتمعنا البحريني. وهذا الفلبيني – البحريني تكلم من قلبه، ولابد أن كثيراً من المجنسين لديهم أحاسيس مشابهة، ولابد أن كثيراً منهم يفكر كيف تسحب جنسيات أبناء البلد بهذا الشكل، ولابد أنهم يفكرون في أن ما حصلوا عليه من جنسية ليس حقّاً مضموناً ما دامت الجنسيات من البحرينيين تسحب بالطريقة التي شاهدها الجميع خلال الأيام الماضية.
الجنسية في أي مكان في العالم حق لكل إنسان، والمجتمع الدولي يعتبر تحويل أي شخص من «حامل للجنسية» إلى «عديم الجنسية» مخالفاً للقانون الدولي. ثم إن الجنسية لا تسحب بتصريح صحافي وكأن الأمر يتعلق بتقرير عن حادث مروري عابر، فهل هذه قيمة من يحمل الجنسية البحرينية؟، إذ إن الجهات الرسمية ربما تتطلب وقتاً أطول وإجراءات أفضل لتثبت مخالفة مرورية، بينما لا يتطلب منها سحب الجنسية سوى أن يرسل بعضهم تغريدة على شبكات التواصل الاجتماعي تخبر بسحب الجنسيات، ومن ثم يصدر تصريح صحافي يعطي تفاصيل عن الضحايا الذين تم اختيارهم لسحب جنسياتهم.
بعض الذين يفرحون بآلام الآخرين؛ يقولون أنه حتى الدول الغربية تسحب جنسيات، وهذا غير صحيح. فلا يوجد بريطاني من أهل البلد على الإطلاق يمكن سحب جنسيته. نعم قد يوجد شخص زوّر طريقة الحصول على الجنسية، ويمكن أن تسحب جنسيته كما حدث في كندا قبل عدة أشهر. ومؤخراً طرحت بعض الدول أنه بالإمكان سحب جنسية شخص حصل على الجنسية قبل فترة (لكنه ليس ابن البلد من الأساس) وأن السلطات القضائية وبعد تمحيص شفاف ودقيق ومستقل وجدت أن هذا الشخص يمارس عمليات إرهابية ضد البلد الذي منحه الجنسية. لكن ما حدث في البحرين ليس له مثيل. واليوم نرى ردوداً من جهات ذات شأت لم تكن مختلفة عن ردة فعل هذا الفلبيني الذي عاش سنين طويلة على أرض البحرين، وأحب أهلها الطيبين وتعايش مع ثقافتهم – بحسب تعبيره.
إن الممارسات التي تجرّد الإنسان من حقوقه، بما في ذلك جنسيته وتحوله إلى كائن غير معترف به؛ مخالفة صريحة للقانون الدولي وإساءة لمفهوم الجنسية البحرينية، وإهانة للإنسانية