هاني الفردان
التاريخ يشهد والتجارب تؤكد بأن الصفقات السياسية تسهم بشكل أو بآخر في تسوية الكثير من الملفات العالقة سياسياً أو اقتصادياً للكثير من المنازعات التي تحدث.
سياسياً قد تُعرّف المقايضة على أنها «تبادل الخدمات السياسيّة بين المشرّعين؛ لتمرير المشاريع ذات الاهتمام المشترك»، أو «التوازن بين نوعين أو متغيرين مثال هو ما تملكه ولا يملكه الآخرون».
ولكن هل هذه المقايضة يمكن أن تنجح في مختلف الأمور؟ هل يمكن أن تحل مشاكل المفصولين عن العمل مثلاً في البحرين؟ هل يمكنها أن تغلق هذا الملف؟ أسئلة نطرحها على سعادة وزير العمل الذي كشف في (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2012) لـ «الوسط» عن طلب وزارة العمل من وفد منظمة العمل الدولية الذي زار البحرين مؤخراً سحب الشكوى العمالية لإنهاء ملف المفصولين.
هذا الطلب لا يمكن أن يدرج إلا ضمن إطار المقايضة السياسية، والتي تقوم على أساس «اسحب الشكوى سننهي ملف المفصولين، لن تسحب الشكوى لن ننهي هذا الملف».
مقايضة غريبة عجيبة، تضع أرزاق الناس ضمن مساومة سياسية مكشوفة للعيان، تكشف حقيقة عدم جدية إنهاء الملف، إذ إن العقل يرى في حالة جدية إنهاء ملف المفصولين، فإن الشكوى ستسقط لوحدها ودون الحاجة لهذا النوع من المقايضة «الرخيصة»، ولأن الجدية غير موجودة، فإن الحاجة لهذه المقايضة مهم للغاية للفوز بمكسب سياسي، في ظل ضغط شديد تتعرض له الوزارة من قبل السلطة لإنهاء ملف الشكوى الذي سيناقش الشهر المقبل في جنيف.
الدولة تعي أن بقاء مفصولين دون عودتهم للعمل، تحت أية ذرائع أو تصنيفات تريدها، لن يقنع المجتمع الدولي ولا المنظمات العالمية بها؛ إذ يعتقد هذا المجتمع وبقوة، أن الفصل كان لأسباب سياسية انتقامية، وبالتالي فإن عودتهم جميعاً إلى أعمالهم يجب أن تكون حتمية، ومن دون أي شروط، وبكامل الحقوق.
وزارة العمل تعلم جيداً هذا المأزق الذي وُضعت فيه باعتبارها ممثلة عن السلطة، فلجأت للحديث عن تطبيق القانون، ودولة المؤسسات، والتي تنص على أن مثل هذه الخلافات تحل عبر القضاء، إلا أن وزارة العمل وطوال السنة الماضية لم تتحدث عن المخالفات الجسيمة للمؤسسات والشركات التي خالفت القانون في فصلها السياسي لمجاميع كبيرة من القوى العامة وبأوامر «سياسية فوقية» يعلمها الجميع، بما فيهم وزير العمل، والمنظمات الدولية، وهي ليست سراً لا يعرفه أحد.
المقايضة المعلنة (اسحب وأنهي)، غير مجدية لملف عمالي سياسي مرتبط بأرزاق الناس، وذلك لغياب النوايا الجدية والحقيقية لإنهاء الملف، فكيف سينهي وزير العمل الملف في حال سُحبت الشكوى، هل عبر إقناع الشركات بإرجاع المفصولين؟ أو عبر خيار القضاء الذي يلوّح به في كل مرة للخروج من المأزق؟
كلنا نعلم بأن الشركات لا تنوي إرجاع المفصولين، بل أن بعضها عادت من جديد إلى التسريح عندما وجدت أن السلطة تريد ترحيل قضايا الفصل السياسي إلى القضاء، وكلنا نعلم آليات ومخارج القضاء في مثل هذه القضايا التي لن تخذل السلطة ولا الشركات، وبالأطر القانونية.
الغريب في تصريح الوزير أنه يؤكد بأن الشكوى العمالية لا تمثل للسلطة أي قلق، بل أنهم «متفائلون جداً؛ لأن المشكلة تمت تسويتها، ولا يوجد ما يخاف منه في هذا الجانب»، ولكنه في الوقت ذاته يطالب بسحب الشكوى التي تقدمت بها 12 منظمة عمالية عالمية ضد حكومة البحرين بتهمة مخالفة اتفاقيات التمييز في العمل، مقابل إنهاء الملف الذي قال عنه إنه «تمت تسويته»!
كيف تمت تسوية الملف، وفي الوقت ذاته تطالب السلطة بسحب الشكوى مقابل إنهاء الملف؟ وكيف لا تخاف الشكوى، وهي تساوم من أجل سحبها؟
من الطبيعي أنه متى ما زالت أسباب القضية بإرجاع كل المفصولين بحقوقهم، وتم إنصاف المتضررين بالعدل والحق، فقد تمت تلبية أهداف القضية، والشكوى ستسقط لوحدها، لعدم وجود متضررين، أما أن تصبح قضية المفصولين وأرزاق مئات الأسر والعوائل البحرينية محل مساومة أو مقايضة، فإن هذا الأمر معيب جداً، في حق كل من ينادي بذلك.