“راي اليوم”
العراقيون هل يحنون فعلا الى “عهد الاستبداد”؟ وهل تستخدم النخبة الحاكمة سلاح الطائفية لاستمرارها في الحكم ونهب ثروات البلاد؟ وهل حققت ثورة الامام الصدر الاحتجاجية اهدافها؟
لا نحتاج في هذه الصحيفة “راي اليوم” الى صحيفة “الفايننشال تايمز″ البريطانية الرصينة، لكي تقول لنا عبر مراسلتها التي زارت بغداد اخيرا، “ان العراقيين يحنون الى زمن الاستبداد” سواء كانوا شيعة او سنة او اكراد، في ظل تدهور اوضاعهم المعيشية، وغياب الامن، والوضع المأساوي في مدينة الفلوجة المحاصرة من قبل قوات النظام.
الاوضاع الراهنة في العراق “مأساوية”، وتعكس انهيارا على مختلف الصعد، حيث فشلت النخبة الحاكمة، التي جاء معظمها مع قوات الغزو الامريكي، في تحسين الخدمات العامة من صحة وتعليم وكهرباء وماء وامن، واستغلت “الطائفية” لتعزيز بقائها في سدة الحكم، مستغلة مشاعر البسطاء، وهم اغلبية العراقيين، وكراهيتهم للنظام السابق من منطلقات مذهبية بحته، مع تسليمنا بارتكابه انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان في اطار سياسية القبضة الحديدية التي استخدمها للسيطرة على البلاد والعباد.
الحنين الى الاستبداد يؤكد فشل النخبة الحاكمة، واستشراء الفساد في صفوفها، بعد 13 عاما من تغيير النظام السابق بغزو واحتلال امريكيين، ولكن المشكلة ان هذه النخبة، وبعض المحيطين بها، والمستفيدين من فسادها، لا تريد ان تعترف بهذا الفشل، حتى لا يصب هذا الاعتراف في مصلحة النظام السابق الذي استعانت بالامريكان للاطاحة به، متعهدة للشعب العراقي انها ستقدم نموذجا في الحكم اكثر انصافا وعدلا وتفهما لمطالب المواطنين في الحد الادنى من العيش الكريم.
الاعتصام الذي قاده السيد مقتدى الصدر، المرجع الديني العراقي واتباعه في المنطقة الخضراء، او على ابوابها، احتجاجا على استشراء الفساد، وللضغط على حكومة السيد حيدر العبادي لتشكيل حكومة من غير الفاسدين، ومحاكمة رموز الفساد، كان احد التحركات الاحتجاجية المهمة، تنطوي على رسالة تحذير للنخبة الحاكمة بطفحان الكيل لدى الشعب العراقي، او قطاع عريض منه، ولكن هذه الخطوة لم تعط النتائج المرجوة منها على الوجه المطلوب للأسف.
ما يحتاجه الشعب العراقي ليس ديمقراطية فاسدة مغشوشة، وانما حكومة غير طائفية، تتعاطى مع جميع مكوناته على اسسس المساواة والعدالة الاجتماعية والمحاسبة والقضاء المستقل، ومن المؤلم ان هذا المطلب بات شبه مستحيل في ظل الشحن الطائفي الذي تسخر له النخبة الحاكمة كل طاقاتها وامكانياتها الاعلامية والمالية الهائلة لاذكاء الحروب والكراهية في اوساط العراقيين.
عندما تنقل مراسلة الصحيفة البريطانية عن مواطنين عراقيين بسطاء من كل المذاهب والاعراف قولهم ان “ايام صدام كانت افضل”، فهذا يعني ضياع ارواح اكثر من مليون عراقي من جراء الغزو الامريكي ومشرعيه العراقيين قد ذهبت هدرا، فلا الديمقراطية الحقيقية ترسخت.. ولا الحد الادنى من العيش الكريم توفر.. ولا الوحدة الوطنية استمرت.. وهذه قمة المأساة لشعب مبدع.. ودولة غنية بثراوتها النفطية.
“راي اليوم”