أثار انهيار كبريات المؤسسات المالية في العالم حملة من التدقيق والتحليل للوقوف عند مكامن الخلل وكيفية معالجتها. وبينما يحاول الخبراء الدوليون التنقيب عن الاسباب التي أدت إلى التقلص المروع الذي أصاب النظام المالي العالمي، وتبسيطها حتى يتمكن الجميع من فهمها، فإن للأزمة بعض الملامح التي يتفادى الخبراء الاقتصاديون ووسائل الإعلام ورجال السياسة الاتيان على ذكرها، ومنها ان هناك كميات كبيرة من الأموال قد سربت من الداخل الأمريكي إلى أماكن في الخارج وتسببت في تفاقم المشكلات. فقد كشفت مصادر مطلعة عن ان مسئولين في مصرف ليمان براذرز حولوا الكترونياً ما يقارب 400 مليار دولار إلى إسرائيل قبل إعلان المصرف إفلاسه في منتصف شهر سبتمبر الفائت، وان البنوك الاسرائيلية الثلاثة التي تصب فيها الاموال هي: هابواليم جروب، بنك لومي جروب، بنك ديسكاونت جروب. وليس من الضروري الإشارة الى ان معظم مرسلي الاموال هم من اليهود الذين يدركون جيداً ان اسرائيل تتبع نظام سرية مصرفية صارما إلى حد كبير، بحيث تحظر الاطلاع على حسابات المودعين او التحويلات التي أجروها. وبالتالي، فإنه وريثما يتسنى للسلطات الامريكية الحصول على الاذن المسبق للتدقيق في حسابات احد الاشخاص المتهم، قد يتمكن هذا المودع من سحب امواله الى جهة آمنة. في المقابل، رسمت الوثائق الاخيرة الصادرة عن لجنة الكونجرس للتحقيق في أزمة شركة التأمين الامريكية العملاقة «ايه. آي. جي«، وبعد وقت قصير من قرار الحكومة إنفاق 85 مليار دولار لإنقاذها من الإفلاس، صورة واضحة لشركة سعت الى إخفاء حقيقة استثماراتها العالية المخاطر، بغض النظر عن كل التحذيرات التي وردتها من كبار المدققين والمحاسبين حتى من قبل موظفيها، بضرورة الانتباه إلى كارثة قد تحدث. «اورينت برس« تعرض لسلسة الملامح التي تم تفادي ذكرها حول الأزمة: وجهت في الآونة الاخيرة سلسلة من الاتهامات الى اللوبي اليهودي لضلوعه في التسبب في الأزمة المالية العالمية، ولاسيما بعد ظهور معلومات تفيد ان مسؤولين في بنك ليمان براذرز قد حولوا قرابة 400 مليار دولار الى بنوك اسرائيلية، حيث ان السيناريو الذي يمكن تخيله من هذه الخطوة، هو انهم كانوا يرغبون في الهرب فيما بعد إلى إسرائيل للإقامة فيها من دون الخوف من تسليمهم للقضاء الأمريكي. علماً ان البنك قد تأسس على يد يهود المان عام 1850 وهو يضم كبار الاقتصاديين من اليهود. والمفارقة ان بنك ليمان براذرز الذي يحتل المرتبة الرابعة بين اكبر البنوك الامريكية، اعلن عندما اشهر افلاسه انه كان يظن ان اصوله بلغت 639 مليار دولار، لكن تبين فيما بعد أن هذه الأرقام تعود إلى ما قبل أربعة أشهر وأن أصوله كانت 100 مليار دولار فقط، مما يظهر ان هناك تلاعباً واضحاً وجهة مسؤولة عن هذا الخلل. الى ذلك، نحا البعض الى تفسير انهيار بنك ليمان براذرز بأنه ناتج عن مؤامرة «دنيئة« من قبل لاعبي الصف الاول من البنوك المنافسة له، وحسبما ذكرت صحيفة «صنداي تايمز« فإن مسئولين في البنك المنهار اتهموا العملاق المصرفي الامريكي «جاي بي مورجان تشيس« بالتسبب في انهياره بعد ان قام بتجميد ارصدته قبل ايام من تقدم ليمان براذرز بطلب اعلان الافلاس. وكان «ليمان براذرز« قد قدم لمحكمة إفلاس في نيويورك وثائق تفيد أن دائني بنك ليمان اتهموا بنك «جاي بي مورجان« بتجميد 17 مليار دولار على شكل اموال نقدية واوراق مالية الجمعة 12 سبتمبر اي قبل ثلاثة ايام من اعلان الافلاس. اي ان ليمان براذرز كان لديه على الاقل 17 مليار دولار في الاصول الفائضة عند بنك «جاي بي مورجان تشيس« يوم الجمعة. واضافت الوثائق انه نتيجة ما قام به بنك «جاي بي مورجان« فقد عانى بنك ليمان براذرز ازمة سيولة فورية كان من الممكن تجنبها.وبالتالي فإن العملاق المصرفي الامريكي هو الذي سدد الضربة القاضية لبنك ليمان براذرز. وما يعزز نظرية المؤامرة هذه هو ان بنك ليمان براذرز كان قد طلب مساعدة الاحتياطي الفيدرالي الامريكي في يوليو الفائت ولكنه لم يحصل عليها نتيجة تدخل جهات ما، وهو ما عزز من امكانية انهياره. وعوضا عن ذلك تم مد يد العون لكل من جولدمان ساكس ومورجان ستانلي بعد شهرين على طلب المساعدة من قبل ليمان براذرز، بحيث تحولا الى شركتين قابضتين تعملان بشروط المصرف المركزي. الجدير ذكره، ان وزير الخزانة الامريكي هنري بولسون كان المدير التنفيذي السابق لبنك جولدمان ساكس وهو لعب دورا كبيرا في تسريع انتشاله من الافلاس. خفايا أزمة التأمين بالانتقال الى خفايا ازمة شركة التأمين العملاقة «ايه.آي.جي«، فبحسب الوثائق، الصادرة عن لجنة الشفافية والاصلاح في الكونجرس الامريكي، فإن الجهات التنظيمية الفيدرالية حذرت المسؤولين في الشركة من وجود خلل كبير في دفاتر الشركة قبل خمسة اشهر من اعلانها انها على شفير الهاوية وهو ما استدعى التدخل الحكومي لانقاذها عوضاً عن مد يد العون الى بنك ليمان براذرز، باعتبار ان شركة التأمين العملاقة تغطي القطاعات جميعها وان افلاسها ستكون له نتائج وخيمة اكبر من المتوقع. وربما كان التقصير من قبل المسئولين في الشركة وتغاضيهم عن جملة من المخاطر الكامنة، هو السبب الرئيس الذي دفع بمكتب التحقيقات الفيدرالي الى فتح تحقيق يشمل الشركات المالية المنهارة لوضع يده على عمليات الفساد ومدبريها، ليطمئن الى ان اموال دافعي الضرائب، التي تأتي في سياق الاموال الهائلة التي ضختها الحكومة لانقاذ الوضع المالي، لم ترم في الفراغ. بالتركيز في أسباب الترنح الذي أصيبت به شركة «ايه.آي.جي« العملاقة للتأمين، لابد من الوقوف على مجموعة لا يستهان بها من التحذيرات التي اعطيت للشركة من اكثر من جهة بغية التنبه من كارثة محتومة، ومع ذلك فإن المسئولين آثروا التغاضي عنها وبالتي كبدت القطاع المالي خسائر فادحة. ففي 10 مارس الفائت كتب مكتب الإشراف على المدخرات والقروض الفيدرالي لكبار المسئولين في الشركة يحذرهم من ان تقييم اصولهم واملاكهم يفتقر إلى المصداقية ويفوق قيمتها الحقيقية، إلا انه لم يلق تجاوباً أو رداً واضحاً. كما كانت مؤسسة «برايس ووتر هاوس كوبر«، التي وفرت خدمات تدقيق الحسابات لشركة التأمين العملاقة، نبهت «ايه. اي. جي« الى اخطاء في دفاترها التجارية مما يعني ان هناك اموالاً مجهولة المصدر والمصب. من جهته، أشار رئيس لجنة الشفافية والإصلاح في الكونجرس السيناتور الجمهوري هنري واكسمان الى محضر رسمي صادر عن اجتماع للجنة المحاسبة في «ايه.آي. جي«، يوضح ان مجلس الادارة اطلع في مارس ايضاً على جذور المشكلة، وهي ان المحاسبين في الشركة لا يستطيعون التعاطي بالشكل المطلوب مع قاعدة «المنتجات المالية«، فقد استمر توسع تقسيم المنتجات المالية بما في ذلك الدخول إلى مجالات مثل مقايضات العجز الائتماني التي تؤمن ضد مخاطر العجز عن سداد القروض والرهن، وهي المنتجات التي أدت الى الخسائر الفادحة في الشركة. ومن الواضح ان الشركة اتخذت قرارا ضمنيا بعدم الاكتراث او الاستماع لكل هذه التحذيرات، بما فيها تلك التي أطلقها احد موظفيها السابقين، وهو جوزف دنيس الذي عمل نائبا لرئيس السياسة المحاسبية في الشركة. واتهم دنيس المسئولين في الشركة بأنهم تجاهلوا محاولاته التي أراد من خلالها التأكد من ان الشركة تقدم تقارير قانونية وذات مصداقية عن المخاطر التي قد تقع فيها بسبب انخراطها في منتجات مالية عالية المخاطر. وقال دنيس ان جوزف كاسانو، المدير التنفيذي السابق للشركة، اتخذ سلسلة من الخطوات لمنعه من تأدية عمله. اتهامات متبادلة في ضوء الدلائل المقدمة، كان استجواب المديرين التنفيذيين للشركة غنياً بالاتهامات المتبادلة حيث لم يرد احد منهم الاعتراف بمسئوليته عما حدث، ولم يفت مارتن سوليفان الذي تسلم المنصب حتى يونيو 2008، ومن ثم روبرت وليومستاد الذي تسلم المنصب بعد طرد سوليفان لإيقاف الانحدار الحاصل في الشركة، ورفع رأس المال من خلال بيع الموجودات، والوحدات المتعثرة، وإنهاء الصراع الداخلي، لم يفت الرجلين ان يوجها اصابع الاتهام الى رئيس مجلس الادارة السابق في الشركة موريس (هانك) جرينبرج الذي اجبر على التخلي عن ادارة المجموعة بعد فضيحة اختلاس في عام 2005 وهو في الثمانين من عمره. الا ان الاخير الذي لم يتمكن من حضور جلسات الاستماع في التحقيق بسبب تراجع صحته، هاجم الرجلين ايضاً في شهادته المكتوبة، فبدا الثلاثة كمن يرمي كرة النار من يده الى الآخر. إلا ان ذلك لم يكسب الشركة أي تعاطف من قبل المحققين، بل استمرت السهام تنهال عليها بعد جملة من الفضائح، واعلن واكسمان في اليوم الثاني من مناقشات لجنة الشفافية والاصلاح في الحكومة في مجلس النواب حول الأزمة المالية انه «بعد اقل من اسبوع من قيام دافعي الضرائب بانقاذ «ايه. آي. جي« شوهد مسؤولون في الشركة يشربون ويأكلون في احد افخم الفنادق على مدى اسبوع« في كاليفورنيا غرب البلاد. وقال واكسمان ان الاجازة تكلفت 440 الف دولار منها 200 الف تقريبا بدل ايجار الغرف (ألف دولار أو أكثر في الليلة) واكثر من 150 الفا على الوجبات و23 الف دولار لقاء خدمات الاستجمام. وعلى الرغم من ان رئيس مجلس ادارة الشركة الجديد اد ليدي كتب لوزير الخزانة هنري بولسون ليوضح له ان عشرة فقط من موظفي الشركة كانوا بين الـ100 مدعو الى تلك الرحلة التي نظمت قبل عدة اشهر وليس من بينهم اي مدير، فإن الأمر لاقى اعتراضات شعبية هائلة. وانتقدت عريضة وجهت إلى بولسون بعد أن وقعها 33 ألف شخص كيف انه «لم يطلب إلى الأكثر ثراء تقديم أي تضحية بينما هم قادرون على الدفع بشكل أيسر«، لافتة إلى ان «أشخاصا غير أكفاء يستمرون في الحصول على مرتبات خيالية وعلى علاوات وعلى رحلات خيالية على حسابنا«. كما طالب البرلمانيون الديمقراطيين بأن يتم تضمين خفض لمرتبات المسئولين في القطاع المصرفي في مشروع خطة إنقاذ المصارف التي خصص لها 700 مليار دولار. إلى ذلك، اتهم هنري واكسمان، كبار مديري شركة التأمين في ثاني أيام جلسات الاستماع بالفساد والاثراء، وبعدما استجوب واكسمان مديري الشركة بشأن رواتبهم الضخمة وحصولهم على مكافآت تقاعد كبيرة.
أخابر الخليج – العدد 11173 – السبت 25 اكتوبر 2008