منصور الجمري
في محصلة الأمر، فإن الكثير مما يجري من حولنا له علاقة بمن يفسح له المجال لكي يلعب دوراً في عالمي السياسة والاقتصاد. ففي حين تطالب القوى الإصلاحية باعتماد منهج ديمقراطي – حقوقي يعتمد على المساواة والكفاءة في تحديد من يقود ويتصدر البلاد سياسياً واقتصادياً، فإن الواقع هو أن من يصل إلى موقع القرار ومن يحصل على موقع مميز في الثروات العامة يتوجب عليه أن يمرّ من خلال نظام معقد تتشابك فيه متطلبات ومصالح المنسوبية والمحسوبية والطائفية.
مثلاً ستجد أنه في زمن مضى، كانت الطبقة التجارية تتكون من شخصيات وعوائل لها نفوذ بسبب قدرتها وعلاقاتها في استيراد (أو شراء بالجملة) منتجات استهلاكية وتوفيرها للسوق المحلية، وكان لهذه الفئة تأثير على من بيده القرار السياسي وعلى المجتمع، ولذا ترى أن بعضاً من أفراد هذه الطبقة تصدروا حركات إصلاحية كبرى شهدها التاريخ. ولاحقاً، لاسيما مع سيادة عصر الثروة النفطية، بدأ نفوذ هذه الطبقة يضمحل، وأصبحت هي المحتاجة لرضا من بيده القرار السياسي للحصول على نصيبها من المناقصات والمشروعات.
مع الأيام انخلقت طبقة ثرية ونافذة ليس بسبب قدرتها وعلاقاتها التجارية، وإنما لأنها تستطيع الحصول على الموارد بسبب نسبها، أو محسوبيتها، أو انتمائها الطائفي.
هذه الظاهرة تحولت إلى دوائر ومؤسسات وشركات لديها حظوة خاصة وتتمتع بميزة غير عادلة أدت إلى تقويض مفاهيم الكفاءة والمنافسة الحقيقية، وتحولت إلى أورام تنهك الجسد العام للاقتصاد، وذلك لأن انتشار هذه الفئات يؤدي إلى بروز حاجة دائمة لإنعاشها، وهي ستستمر في التهام كل ما يتوافر في المساحة العامة المفترضة للجميع، وذلك بسبب حظوتها وقربها من مواقع القرار.
هذه الفئة تربح باستمرار وتلتهم الخيرات وتبذرها خارج دورة الاقتصاد، وذلك لأنها وصلت من دون وجود دورة اقتصادية في الأساس، وهي لا تحتاج إلى دورة اقتصادية يتحدد فيها الفائز والخاسر على أساس الكفاءة والقدرة التنافسية. هذه الفئة لها حصتها المضمونة من المناقصات والمنح، وهي تنتفع أكثر كلما تآكلت المنافسة الحرة والشريفة.
وعليه فليس مستغرباً أنك لو قارنت فرداً من هذه الطبقة في الماضي مع فرد آخر في الحاضر، فستجد العالم والمثقف والمحب لمهنته والمتقرب من مجتمعه، مقابل الجاهل والجشع والمتزلف والكاره للناس… ومثل هذا النوع لا يمكن الاعتماد عليه في تطوير أو إصلاح أي شيء، وهؤلاء ينهكون البلاد والعباد.