محمود كعوش
بدأت في الدنمارك وتفجر صاعقها في فرنسا!!
يُستدل من المعلومات التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية بما فيها الفرنسية نقلاً عن المسؤولين في مجلة "شارلي إبدو" الأسبوعية الساخرة، التي كانت في السابع من الشهر الجاري مسرحاً لهجوم دموي أودى بحياة 12 من رسامي الكاريكاتور فيها، أن هؤلاء مصرون على المضي قدماً في حملتهم المعادية للإسلام والمسلمين، من خلال مواصلة نشر البذاءات والإساءات ضد نبيهم الكريم "ص" ورموزهم الدينية. ومن المعروف أن المجلة المذكورة كانت قد بلغت في عدائها للمسلمين حد إلصاق تهمة "الارهاب" بهم، إلى جانب نشرها رسوماً كاريكاتورية مسيئة لنبي الرحمة "ص" تصدرت غلافها وصفحاتها الأولى في مرات متفاوتة. وسبق للمجلة أن قامت بفصل أحد رسامي الكاريكاتور العاملين فيها بتهمة معاداة اليهودية، مما أرخى ظلالاً حول أهداف وغايات الحملة التي يشنها مسؤولوها، وأضاف مزيداً من التساؤلات والشكوك حول مواقف هؤلاء المسؤولين ومدى ارتباطهم بحكام تل أبيب واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ورعاته من المحافظين الجدد المتصهينين!!
وباعتبار أن جميع الوقائع والممارسات اليومية تدلل على أن الولايات المتحدة هي زعيمة العالم الغربي بلا منازع وهي من يرسم سياسات بلدانه ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة من الشؤون الداخلية والخارجية لهذه البلدان، أرى أن من الضروري أن أذّكر عند صدور أي إساءة أو بذاءة من هذا البلد الغربي أو ذاك ضد الدين الإسلامي أو المسلمين أو خير البرية "ص" بأن السياسة الأميركية التي أصبحت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 رهينة رؤية صهاينة "تيار المحافظين الجدد" هي موضع شك وريبة من قبل خصوم الولايات المتحدة، وهي المسؤولة قبل غيرها عن هذه الإساءة أو تلك البذاءة.
وعلى خلفية هذه الحقيقة يمكن النظر إلى ما صدر في فرنسا وما سبق أن صدر في الدنمارك وبلدان غربية أخرى من إساءات وبذاءات استهدفت الإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم "ص"، كان أبلغها نشر رسوم الكاريكاتور المسيئة لنبي الرحمة "ص" في الدنمارك في 30 سبتمبر/أيلول 2005 وتكرار نشرها في الدنمارك أيضاً في 13 فبراير/شباط 2008، والنظر إلى ما لحق بتلك الإساءات والبذاءات من ارتدادات وردود أفعال في أكثر من بلد أوروبي وغربي كان أخرها في فرنسا حيث تصدرتها مجلة "شارلي إبدو".
فالسياسة الأميركية ما برحت تقدم الأدلة والقرائن التي تؤكد مضي الولايات المتحدة في ممارسة نهجها الفاشي والتصرف مع البلدان والشعوب التي لا تدور في فلكها، وبالأخص الإسلامية والعربية، بمنطق القوة ودبلوماسية البوارج والقاذفات الصاروخية، انطلاقاً من نزعة العدوان التي تطبع تطلعاتها الاستعمارية الهادفة لفرض نفوذها وهيمنتها العسكرية والسياسية والاقتصادية وحتى الثقافية عليها، واستجابة لشعار "من ليس معنا فهو ضدنا" الذي كان الرئيس الجمهوري الأسبق الأهوج جورج بوش الإبن قد رفعه عشية تلك الهجمات، التي كانت محط إدانة العالم كله، بما في ذلك العالم الإسلامي والوطن العربي.
وفي مسعى حثيث ودائم منها لبلورة هذه السياسة الرعناء لم تتورع الولايات المتحدة عن سُلوك شتى الطرق والسبل الملتوية واستعمال كل الوسائل الفتاكة والأساليب الدنيئة المبنية على قوة البطش والإجرام والمغلفة بالنفاق والخداع والكذب والتدليس والتضليل والتشويه وقلب الحقائق وازدواجية المعايير.
وهي من أجل ذلك لم تتردد في كيل الإساءات والبذاءات والاعتداءات بشكل مباشر أو بالواسطة عبر كبار وصغار حلفائها وعملائها في بلدان الغرب، ومن بينها الدنمارك التي كانت توجد فيها في حينه حكومة محافظة كان يرأسها المفوض العام السابق لحلف "الناتو" أناس فوغ راسموسين، وكانت قد عُرفت بولائها الكامل لإدارة المحافظين الجدد في واشنطن واصطفافها خلف الولايات المتحدة في حربها ضد ما اصطلح على تسميته "الحرب ضد الإرهاب".
لذا رأيناها دائماً تسخر خليطاً من المصطلحات الزئبقية الزائفة التي تشرف على فبركتها مطابخ الدعاية الصهيونية التي يُمسك بتلابيبها المحافظون الجدد، الذين لم يعد يهمهم غير خدمة مصالح الكيان الصهيوني اللقيط في تل أبيب والمسيحية اليمينية المتطرفة، حتى لو اقتضى ذلك توجيه كل أنواع الإساءات والبذاءات الكريهة والمُدانة للإسلام والمسلمين وأكرم خلق الله "ص"، بشكل مباشر أو بالواسطة.
وعادة ما سعت الولايات المتحدة لأن تكون حملة الإساءات والبذاءات المتواصلة بمثابة "صاعق تفجير" تشعله بين الحين والأخر بدعوى "حرية الرأي والتعبير" السائدة في "العالم الحر" ليبقى سيفاً مسلطاً فوق رقاب المسلمين والعرب، تؤلب بواسطته الرأي العالم العالمي وبالأخص الغربي وبأخص الخصوص الأوروبي ضدهم وقت ما تشاء ووقت ما تتطلب مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني ذلك.
ولا شك أن الرسوم المسيئة التي نشرتها جريدة "يولاند بوستن" الدنمركية في عام 2005 وأعادت نشر واحدة منها بالتزامن مع نشرها في 16 جريدة ووسيلة إعلام دنمركية وأوروبية في عام 2008 تحت سمع وبصر حكومة الدنمارك والعالم الغربي كله قد جاءت في هذا السياق. وعلى ما ظهر فإن الهدف من وراء نشر تلك الرسوم المسيئة في الدنمارك كان بمثابة إشارة البدء في شن حملة ظالمة تستهدف الإسلام والمسلمين في الغرب ومن ورائهم المسلمين في العالم ونبيهم الكريم "ص" ورموزهم الدينية!!
ولقطع الشك باليقين وإثبات أن الإساءات الغربية المتكررة للرسول الكريم "ص" التي اندرجت في إطارها جريمة نشر الرسوم الكاريكاتورية في الدنمارك عام 2005 وتكرار نشرها فيها بعد عامين ونصف العام ودعوات بعض القادة الغربيين من أمثال وزير الداخلية الألماني الأسبق فولفغانغ شويبل إلى تعميمها في كل الجرائد ووسائل الإعلام الأوروبية والغربية ليست عملية ارتجالية فردية بنت لحظتها ولا شكلاً من أشكال "حرية الرأي والتعبير" المزعومة وإنما هي حملة صهيونية متواصلة تسير وفق خطة ومنهجية جهنمية محكمة الحلقات أريد من ورائها خدمة حسابات وأهداف استراتيجية محددة ومدروسة، لا بد من تناول هذه المسألة بكثير من الشفافية والموضوعية المستندتين إلى غيض من فيض الحقائق والأدلة المتوفرة والتي هي بالأصل غربية المصادر، لوضع النقاط على الحروف وتبيان دور "اللهو الخفي" الصهيوني في هذه الحمل.
من المفيد أن أبدأ تناول هذه المسألة بالإشارة إلى أن كل من يجتاز الطريق الممتد بين مدينة أرهوس ثاني أكبر المدن الدنمركية وبلدة سكانابورغ في شبه جزيرة يولاند التي تصل الدنمارك بألمانيا أو يتصفح جريدة "يولاند بوستن" أو يزور موقعها الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية يمكنه مشاهدة النجمة السداسية التي تمثل رمزاً رئيسياً وهاماً للصهاينة واليهود وهي تتصدر واجهة مبنى الجريدة وأعلى صفحتها الورقية الأولى وصفحتها الإلكترونية الرئيسية، وهو "تقليد" حرص الصهاينة واليهود المتشددون على التمسك به وإظهاره بشكل دائم وواضح في كل مكان يعيشون ويتواجدون فيه وفي كل موقع ينشطون من خلاله، على جميع الأصعدة والمستويات الإعلامية والثقافية والاقتصادية والرياضية والدينية والدنيوية.
وكما بات معروفاً منذ تفجر الأزمة الأولى للرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم في 30 سبتمبر/أيلول 2005 فان المحرر الثقافي في جريدة "يولاند بوستن" اليهودي والأوكراني الأصل الذي اعتاد أن ينشط تحت اسم فلمنغ روز والذي عمل رسام الكاريكاتور كورت وسترغورد بإمرته كان ولم يزل على علاقة وثيقة بحكام تل أبيب وصهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة الذين يقفون وراء الحملة الضارية على الإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم محمد المعصوم"ص" وعلى العروبة والعرب ويؤيدون الكيان الصهيوني ويدعمون التوجهات الاستعمارية الأميركية الجديدة، التي عبرت عن نفسها بشكل عدواني وسافر بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق وتلاشي نفوذه العالمي واستئثار الولايات المتحدة بالنظام العالمي أحادي القطبية، والتي تجسدت عملياً في احتلال أفغانستان والعراق وترويض "أنظمة الاعتدال العربي" ومحاولة فرض الذل والوصاية على فلسطين ولبنان والسودان والصومال.
وعُرف ارتباط فلمنغ روز "المشكوك بصحة إسمه" بصداقة حميمة وخاصة جداً مع الأكاديمي والكاتب والباحث الأميركي الشهير دانيال بايبس، أحد أكبر غلاة الصهاينة في التيار سالف الذكر، والذي كان قد عمل مديراً سابقاً لمعهد السياسة الخارجية الأميركية ويعمل الآن عضواً أساسياً ونافذاً في مجلس إدارة "معهد الولايات المتحدة للسلام" إلى جانب إدارته لمنتدى الشرق الأوسط في واشنطن الذي خدم من خلاله سياسات إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن الخارجية، وعلى وجه الخصوص ما تعلق منها بمنطقة الشرق الأوسط وما سُمي زوراً وبهتاناً "الحرب على الإرهاب"!!
ويُشار في هذا الصدد إلى أن منتدى الشرق الأوسط كان قد بدأ العمل في عام 1990 كمؤسسة حكومية قبل أن يتحول في عام 1994 إلى مؤسسة خاصة يسيطر عليها المحافظون الجدد الموالون لتل أبيب بلا حدود أو تحفظ والذين توجه عملهم "لجنة العلاقات العامة الأميركية ـ الإسرائيلية"، المعروفة اختصاراً باسم "إيباك".
وكان روز قد سافر في أكتوبر/تشرين الأول 2004 إلى الولايات المتحدة حيث اجتمع هناك بعدد من المحافظين الجدد على رأسهم ملهمه وصديقه دانيال بايبس. وحسبما جاء في مقالة لبايبس نفسه حملت عنوان "رسوم الكرتون الدنمركية وأنا" فإن لقاءه مع روز جرى في مكتبه في فيلادلفيا في الخامس والعشرين من ذات الشهر، قبل أن يعود الأخير إلى الدنمارك وينشر في التاسع والعشرين منه مقالة في "يولاند بوستن" تحت عنوان "خطر الإسلاموية" أفرط فيها في مدح بايبس وأفكاره وتصوراته عن الدين الإسلامي والمسلمين. ولفت الانتباه والاستهجان في تلك المقالة تركيز روز على ما أسماه "الحاجة لحشد أوروبا وتعبئتها في إطار حرب الحضارات ضد العالم الإسلامي"، وقوله أن "بايبس مندهش جداً لأنه لا يجد إدراكاً واسعاً في أوروبا لحقيقة الخطر الذي يمثله الإسلام"!!
وبايبس "سيئ الصيت والسمعة" هو أحد أبرز قادة الحملة الظالمة والمغرضة التي تُشن ضد الإسلام والمسلمين والعروبة والعرب في العالم وضد الأميركيين من أصول إسلامية وعربية داخل الولايات المتحدة، وهو زعيم حملة الإرهاب والترهيب وكم الأفواه التي مورست بشراسة وبشكل متواصل ضد الأكاديميين وأساتذة الجامعات الأمريكية الذين جاهروا بمناهضتهم للكيان الصهيوني وأقدموا على انتقاد الممارسات العنصرية لقادته وجيشه، وضد الذين أظهروا تعاطفاً مع الفلسطينيين وتأييداً لقضيتهم العادلة.
ولا شك أن مؤلفاته السياسية والبحثية والتحليلية من أمثال "الإسلام الجهادي يصل أميركا" و"الجنود العبيد والإسلام" و"في الطريق إلى الرب" و"الطغاة الودودون" و"تخلف سوريا عن السلام" و"دليل المستعرب للعامية المصرية" تنطق بكنه شخصيته الكريهة وتعكس حجم حقده على الإسلام والعروبة ومدى عدائه وكراهيته للمسلمين والعرب!!
ومن فرط تطرفه وانحيازه السافر للكيان الصهيوني كان بايبس ولم يزل يرى "أن الطريق إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط لا يتأتى إلا من خلال الهيمنة العسكرية الكاملة لهذا الكيان على منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن الإسلام دين إرهاب ويمثل خطراً داهما على العالم"، وكان ولم يزل يروج للمعزوفات الفكرية التلمودية الصهيونية والعنصرية البغيضة التي "أكل الدهر عليها وشرب" ولم تعد تنطلي حتى على صغار العقول، والتي أصبحت مثار جدل واستهجان كبيرين من قبل بعض اليهود المتنورين من أمثال البريطاني جون روز مؤلف كتاب "أساطير الصهيونية"، أحد أبرز الكتب إثارة للجدل بين الصهاينة واليهود المتطرفين.
وكثيرون من الكتاب والباحثين والمعلقين والمحللين والصحافيين الغربيين، وبالأخص الأميركيين والدنمركيين المعتدلين والموضوعيين منهم، جزموا بأنه كان لبايبس ومن ورائه صهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة بمن فيهم الصقور الذين كانوا يهيمنون على إدارة الرئيس بوش الابن طبعاً اليد الطولى والمباشرةً في الترتيب لنشر الرسوم في جريدة "يولاند بوستن" الدنمركية في 30 سبتمبر/أيلول 2005 وإعادة نشرها فيها في 13 فبراير/شباط 2008 بالتزامن مع نشرها في 16 جريدة ووسيلة إعلام دنمركية أخرى، وذلك من خلال المحرر الثقافي للجريدة سيئة الذكر فلمنغ روز ورسام الكاريكاتور كورت وسترغورد صاحب الرسم الوحيد الذي أعيد نشره، وهو واحد من 12 رسماً كانت الجريدة الآثمة قد قامت بنشرهم في المرة الأولى.
وأكد هؤلاء أن هدف بايبس والمحافظين الجدد من وراء نشر الرسوم في الدنمارك وبعض البلدان الغربية الأخرى في عام 2005 وإعادة نشرها من جديد في الدنمارك عام 2008 وحذو النرويج وبلدان غربية أخرى من بينها بلدان أوروبية حذوها في ما بعد تركز على تأجيج العداء ضد الإسلام والعروبة في أوروبا خدمة للصهيونية وكيانها العنصري الذي قام على حساب أرض فلسطين المباركة وتشتيت شعبها البطل، لمعرفتهم بأن المسلمين والعرب سيحتجون على الإساءة لرسولهم الكريم "ص" وسيعبرون عن ذلك بوسائل مختلفة لن يروق بعضها للأوروبيين والغربيين في الإطار الأعم. ودللوا على ذلك بما قاله وكتبه كل من روز وبايبس بعد نشر الرسوم في المرة الأولى، والإطار الذي وضعا فيه هذه المسألة الدقيقة والحساسة من خلال مقالاتهما المغرضة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، قال روز في إحدى مقالاته التي خصصها للدفاع عن جريمة نشر الرسوم المسيئة ومحاولة تبريرها "إن هذه حرب هي حرب ثقافية بين الغرب والإسلام، وفي داخل العالم الإسلامي نفسه. إن المسألة تتعلق بالاندماج، وفيما إذا كان دين الإسلام يتوافق مع المجتمع العلماني المعاصر؟"!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضاً، قال معلمه بايبس، الذي اشتهر بمقالاته المفرطة في العداء للإسلام والعروبة والتي اعتاد على نشرها بين الحين والآخر في كبريات الجرائد والمجلات الأميركية اليمينية المعروفة بتطرفها ونزعتها الصهيونية، في واحدة من تلك المقالات حملت عنوان "الرسوم والإمبريالية الإسلامية" وجاءت في سياق مسلسل مقالات كتبها حول الرسوم المسيئة لخير البرية "إن القضية الرئيسية في معركة الرسوم هي: هل سينبري الغرب للدفاع عن قيمه ومبادئه بما في ذلك حرية التعبير، أم أنه سيترك المسلمين يفرضون عليه أنماط حياتهم الخاصة؟ لا مساومة على ذلك، وعلى الغربيين أن يستعيدوا حضارتهم وينعموا بحريتهم الكاملة، بما في ذلك حقهم في توجيه الإهانة والإساءة لمن يريد النيل من قيمهم ومبادئهم كائناً من كان!!".
وفي رأي لي نشرته في 6 مايو/أيار 2006 تحت عنوان "وشهد شاهدان من أهله!!" وتناولت من خلاله بالمعالجة والتحليل كتاب الأخوين الدنمركيين كلاوس وميغل روث ستين الذي أصدراه في كوبنهاجن حول الأزمة الأولى للرسوم المسيئة بعد شهور قليلة من تفجرها وأسمياه "قنبلة في العمامة"، تطرقت إلى ما ذهب إليه الأخوان روث ستين في كتابهما من أمور أكدت العلاقة الشيطانية بين الصهيونية وما جرى في الدنمارك، وانتقل منها إلى بلدان أوروبية وغربية أخرى.
فقد أرجع الأخوان روث ستين سبب تصاعد أزمة الرسوم إلى جهل كبير عند أقطاب السياسة الغربيين بمن فيهم الدنمركيين بالدين الإسلامي الحنيف "لأنهم لا ينظرون إليه إلا كدين يُصدر الإرهاب، ولأن تعصبهم لقيمهم على حساب قيم الآخرين وإغماض عيونهم وصم آذانهم عن رؤية وسماع الحقيقة لقيمهم جعلاهم يضربون عرض الحائط بقيم الثقافات الأخرى، وعلى وجه الخصوص قيم الثقافة الإسلامية". وحملا السياسيين الدنمركيين في الموالاة والمعارضة وفي مقدمهم رئيس الحكومة الأسبق أناس فوغ راسموسين وزعيمة "حزب الشعب الدنمركي" اليمني المتطرف بيا كياسغورد المسؤولية المباشرة لتفجر الأزمة وتفاقم الأوضاع بين المسلمين والدنمارك ومن خلفها هذه العالم الغربي "لأنهم مالوا في تعاملهم مع أزمة الرسوم إلى العنصرية أكثر من ميلهم إلى إيجاد حل يُخرج الدنمارك من أزمتها، ولأنهم استغلوا الأزمة لجني مكاسب سياسية ذاتية وتحقيق مآرب وأهداف شخصية، من خلال بث الأكاذيب المختلفة وتضليلهم الرأي المحلي".
ونعت كلاوس وميغل روث ستين في كتابهما السياسيين الدنمركيين بنعوت وأوصاف مختلفة أبرزها "أبطال الحروب في العالم"، وذلك بسبب "قصر نظرهم وتبنيهم الأعمى والأحمق لسياسات المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ودعمهم السافر لها في حربيها العدوانيتين على أفغانستان والعراق"، ورأيا أن تحول الدنمارك من اليسار إلى اليمين في حينه "كان ثمرة ضغوط مكثفة مارستها الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة المتناغمة مع تيار المحافظين الجدد بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الأمر الذي عكس نفسه سلباً على علاقات الدنمارك بالبلدان الإسلامية والعربية".
وفيما انقسم الدنمركيون إبان أزمة الرسوم الأولى عام 2005 والثانية عام 2008 إلى معسكرين أحدهما لا يكترث لما يجري والآخر يؤيد نشر الرسوم المسيئة باعتبار أنها شكل من أشكال "حرية الرأي والتعبير" وعلى رأسهم رئيس الحكومة الأسبق أناس فوغ راسموسين وزعيمة "حزب الشعب الدنمركي" بيا كياسغورد، اعتبر الأخوان روث ستين مسألة الرسوم "مقصودة وثمة من وقف وراء رسمها ونشرها بهدف كسر شوكة المسلمين وإيذائهم، انتقاماً للضربات الموجعة التي وجهتها بعض الجماعات المتطرفة لعواصم ومدن غربية كبيرة خلال السنوات الأخيرة. لقد أشعلت تلك الضربات موجة غضب وسخط على الإسلام في نفوس الغربيين ما لبثت أن تفاقمت وتمددت إلى أن طالت الدنمركيين، ولم يعد بإمكان الغرب المتحضر التفريق بين حرية الرأي والتعبير وحرية العقيدة".
الأخوان الدنمركيان رأيا أن جهل الغرب بمن فيه الدنمرك بالإسلام وإيمان المسلمين بالله الواحد الأحد واعتزازهم بدينهم ونبيهم الكريم "ص" خلق فيه حالة من الذعر استغلتها بعض وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية لتضليل الناس بأكاذيب عن الإسلام واتهامه زوراً وبهتاناً بالإرهاب، متعمدة وضع ستارة سوداء على الوجه الرائع لهذا الدين بكل ما حمله من تسامح ومساواة وعفو عند المقدرة. وهذا ما دعاهما إلى التساؤل عن الوجهة التي رغب صناع القرار في الدنمارك قيادة مواطنيهم إليها "بعد أن زرعوا الكراهية والحقد على الإسلام في نفوسهم، في الوقت الذي كانوا يتبجحون بأن الدستور الدنمركي كفل حرية الرأي والتعبير للجميع، وأن الحرية كفلت لجميع الناس حق اعتناق الدين الذي اختاروه لأنفسهم وحق الدفاع عنه".
هذه العلاقة المريبة والمشينة بين الصهيونية ممثلة بحكام الكيان الغاصب في تل أبيب و"تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة وجريمة النشر المتكرر للرسوم المسيئة للرسول العربي"ص" في الدنمارك وانطلاقها إلى بلدان غربية أخرى من بينها بلدان أوروبية عديدة كانت فرنسا آخرها، والتي أكدها كتاب وباحثون ومعلقون ومحللون وصحافيون غربيون من بينهم كلاوس وميغل روث ستين وأمثالهما وهم كُثر، هي التي ألحت على ضمير الكاتب والصحافي الأميركي صاحب الدراية الكبيرة بشؤون الإسلام والمسلمين كريستوفر بولين وجعلته يتساءل بسخرية لاذعة بعد استعراضه للعلاقة الممجوجة بين فلمنغ روز ودانيال بايبس عن مغزى ما فعله الأول، وعما إذا كان مسيحياً صهيونياً يقود حملة صليبية ـ دنمركية ضد الإسلام، أو أنه كان ملحداً لا يكن احتراماً لمعتقدات المسلمين أو يهودياً مخلصاً يلوح بالجنسية الدنمركية ويشارك في حملة صهيونية ضد المسلمين والعرب، ليخلص إلى القول: "رأيي أن الاحتمال الأخير هو الصحيح، فروز هو يهودي يقود حملة صهيونية، وعلاقته ببايبس تؤكد أن نشر الرسوم هو لحسابات وأهداف استراتيجية صهيونية".
وأذكر أن الكاتب في "أميركان فري برس" بولين كان قد أكد في مقالة أرسلها لموقع "مركز الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث" أن علاقة فلمنغ روز مع صهاينة "تيار المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة هي علاقة مؤكدة وثابتة. وأشار بولين في مقالته إلى مقابلة سبق لجريدة "نيويورك تايمز" أن أجرتها مع روز وأجاب فيها على سؤال عن عدم نشره رسماً كاريكاتورياً لرئيس حكومة الكيان الصهيوني السابق الإرهابي المقبور آرئيل شارون وهو يقبض على أنفاس طفل فلسطيني بالقول :"إن فعل ذلك يُعد عملاً عنصرياً". وأضاف أن روز امتنع عن الإجابة على سؤال وُجه إليه من قبل "أميركان فري برس" حول سبب دفاعه عن شارون الذي كان متهماً بجرائم حرب وإساءات متكررة للرسول الكريم "ص".
ما ذهب إليه كتاب وباحثون ومعلقون ومحللون وصحافيون غربيون منهم كلاوس وميغل روث ستين وكريستوفر بولين أكده أخيراً علماء ومفكرون وباحثون مسلمون ومسيحيون تداعوا لمناقشة جريمة تكرار نشر الرسوم المسيئة في الدنمارك في ندوة حاشدة كان قد نظمها في العاصمة الأردنية عمان "مركز الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث" المشار إليه سابقاً بالتعاون مع "شبكة إسلامنا" وحملت عنوان "إلا رسول الرحمة".
لقد أجمع هؤلاء في بيان أصدروه آنذاك على أن "ما قامت به الصحف الدنمركية بقصد الإساءة إلى الرسول الكريم "ص" قد تجاوز كل القيم والخطوط الحمراء في احترام الرموز الدينية، ولا يمت بصلة إلى حرية الرأي والتعبير، بل هو انتهاك صارخ وصريح لتلك الحرية". ونبهوا من أن التطرف المتمثل بالإصرار على الإساءة للنبي "ص" "سينتج عنه تطرف مضاد يقود لمستقبل دموي في العلاقة بين الأمم والشعوب" وأن "إعادة سبعة عشر جريدة ووسيلة إعلام دنمركية نشر تلك الرسوم أخرج القضية من إطار الحالات المحدودة والفردية ليحولها إلى ظاهرة يستوجب التعامل معها بشكل جدي".
ويومها خلصوا في بيانهم إلى أنهم "اطلعوا على حقائق ومعلومات وأدلة دامغة أثبتت تورط أتباع الفكر المتطرف للمسيحيين المتصهينين في الوقوف وراء تلك الإساءات بغية إشعال الصراع الحضاري والديني بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية"، موضحين بأن "العديد من زعماء الحزب الجمهوري الأميركي تزعموا وغذوا العقيدة المتطرفة لإذكاء العداء بين الإسلام والمسيحية من خلال تلك الانتهاكات وردود الفعل التي لحقت بها".
أيها المسلمون والعرب لقد بات كل شيء واضحاً وجلياً بشأن هذه المسألة الخطيرة ولم يعد من مجال للتفكير بها طويلاً بعد كل الذي حصل في الدنمارك وبلدان أوروبية عديدة، وكان آخره المظاهرة المليونية التي شهدتها شوارع العاصمة الفرنسية باريس في الحادي عشر من الشهر الجاري، والتي رُفعت فيها شعارات ورسوم كثيرة معادية للإسلام والمسلمين ونبيهم الكريم "ص"، وشارك فيها "عميد" الآرهاب الدولي رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو، متصدراً الصف الأمامي إلى جانب حوالي ستين شخصية عالمية بينهم الرئيس الفرنسي.
أيها المسلمون والعرب لا تهنوا أو تتهاونوا لا كثيراً ولا قليلاً!! وقفوا وتنبهوا وفتشوا دائماً عن أيادي الشر الصهيوني في كل ما يجري ويُحيق بكم وببلدانكم من مخاطر وشرور لتحذروها وتتعاملوا معها بكل ذكاء ووعي وحذر.
نعم إن ما حدث في الدنمارك وتسرب منها إلى بلدان أوروبية وغربية أخرى وتتصاعد وتيرته يوماً بعد آخر هو جزء من حملة صهيونية جهنمية متواصلة ومتعمدة ضد الإسلام والمسلمين ونبي الرحمة "ص" تقف وراءها مطابخ "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة بإيعاز من حكام الكيان الغاصب في تل أبيب وتنفذ فصولها الأدوات المأجورة المنتشرة في عالم الغرب.
وللحديث بقية…