مريم أبو إدريس
قبل أيام صرح سمو ولي العهد للصحافة العالمية أثناء الجولة الختامية لسباق الفورمولا واحد بأن إجراء جلسات الحوار أمر مهم، لأنها تتيح فرصة لجميع الأطراف في البحرين للتعبير عن مطالبهم، وعبّر عن أمله أن تتسارع جلسات الحوار الوطني، وقال: «أنا متفائل»، مضيفاً أنها «تجري وهذا هو المهم». كما ذكر أنه لا يستبعد مشاركته في جلسات الحوار ولكن الوقت لم يحن بعد، وهو الأمر الذي تلقفته المعارضة بشيء من التفاؤل، فيما برزت تصريحات بعض الأطراف الموالية المشاركة في الحوار إلى عدم تفضيلهم مشاركة ولي العهد وأهمية بقاء الحكم مرجعاً في حال الاختلاف.
المتتبع للواقع الرتيب الذي تسير عليه جلسات الحوار لن يجد أن أهم ما في الأمر أنها تجري، خصوصاً في ظل عدم جدية بعض الأطراف في الوصول إلى صيغة مشتركة يمكن أن تُقدم كخطوة أولى في طريق التمهيد لحلحلة الأزمة العاصفة بالبلاد منذ أكثر من عامين.
إن عملية الحوار الناجحة تقتضي وقف كل ما من شأنه تأجيج الوضع من اعتقالات تعسفية وانتهاكات وتعامل أمني مبالغ فيه وواسع النطاق، وفي الطرف الآخر على الشارع المعارض أن يقبل الدخول في هدنة مؤقتة لاستكشاف ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال البدء بحوار جدي يمكن أن يضع الحلول فوق الطاولة لا أن يمططها بالتعويل أن الوقت كفيل بحلحلة الأمر، وهو ما أثبت الواقع عدم صحته، إذ أن استمرار الوضع أفرز مشكلات إضافية وسقوفاً متباينة لم تكن واردة في بداية المطالبات الشعبية.
الحكم طرف أساسي لابد من وجوده على طاولة الحوار، وبيده اتخاذ القرار وتسريع عملية القبول والرفض لما يُطرح، بينما ترك الأمر لأطراف أقل من مستوى اتخاذ القرار تكون مسئوليتها الرئيسية معارضة ما يُطرح من مطالب من جانب المعارضة الشعبية، ما هو إلا تسويف غير محمود العواقب.
الفاتورة المتراكمة لانتهاكات حقوق الإنسان والتي وردت بشكل مفصل مؤخراً في ثمانية وأربعين صفحة من تقرير الخارجية الأميركية السنوي بشأن أوضاع حقوق الإنسان في العالم للعام 2012، تحتم وضع حدٍّ لكل ما يحدث، وسرعة التوصل إلى حل مقبول لدى غالبية الأطراف سيكون هو الأجدى نفعاً للجميع. وتأكيد سمو ولي العهد أن البحرين تعاني من مشكلة سياسية هو بحد ذاته بداية علاج في قبالة إصرار بعض المسئولين الحكوميين على تسويق أكذوبة أن الأمور بخير وهي بلّة تُضاف لطين الأزمة.
الاقتصاد، النسيج الاجتماعي، الأمن الداخلي، والثقة، كلها أمورٌ تقف على المحك اليوم بفعل تداعيات الأوضاع الداخلية المتأزّمة، حلّها يحتاج إلى شجاعة القرار، وللإيمان أن قدراً مشتركاً ينتظر الجميع في نهاية المطاف، وأن الإقصاء والتهميش لا يزيد الهوة إلا عمقاً.
إن تغليب العقل هو بداية الطريق لوضع حلول جذرية للمشكلات السياسية والأمنية والفساد والمحسوبيات وغيرها التي تنخر في قلب الوطن.