أحمد الصفار
كثير من الدول المتقدمة، تلجأ إلى فرض بعض القيود لمواجهة الحالات الطارئة، كأن تحد من تحركات الناس في أماكن محددة خلال وقت معين، أو يتم اتخاذ بعض التدابير وتعديل بعض التشريعات لمواجهة ثغرات قانونية، ولكن كل ذلك لا يسقط حقوق البشر الأساسية في حرية الرأي والتعبير والعلاج والتعليم والسكن والعمل والتملك الخاص وغيرها من الحقوق.
حتى مسألة تضييق الحريات خلال فترة ما يجب أن تخضع للقانون، فالمادة (31) من دستور مملكة البحرين للعام 2002 تنص على أنه «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق والحرية».
وبالتالي فإن الحقوق ثابتة ولا يمكن إسقاطها أو التعدي عليها أو انتزاعها من أصحابها بناءً على الظن أو الارتياب أو التنبؤ بوجود سوء نية لدى صاحب الحق، بما يخول لأي طرف كان حرمانه أو انتزاعه منه، والتصرف بعكس ذلك يمثل تعدياً على حقوق الإنسان بحسب كل المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت عليها مختلف دول العالم.
أحد الكتاب، فرد مساحة كبيرة من عموده اليومي للتهجم على وزارة التربية والتعليم، وطالبها بالتدقيق في البعثات وعدم السماح باستغلال التعليم لأهداف غير تربوية، والتشدد في اختيار المرشحين للشواغر الوظيفية في الوزارة والتي تعرض سنوياً عبر وسائل الإعلام، وهو يحمل في بواعث كلماته إيحاء طائفيا لا يمكن أن يفوت على أي إنسان يعرف القراءة ويدرك تفاصيل ما يدور من استغلال للوضع السياسي من أجل تحقيق أهداف شخصية.
وتناسى الكاتب أن ما يوحي به يتعارض مع المادة (7) من الدستور التي تنص على أنه «ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون، وتشجع البحث العلمي، كما تكفل الخدمات التعليمية والثقافية للمواطنين، ويكون التعليم إلزامياً ومجانياً في المراحل الأولى التي يعينها القانون، وعلى النحو الذي يبين فيه. ويضع القانون الخطة اللازمة للقضاء على الأمية».
الواضح أن مختلف الكفاءات البشرية والعلمية التي تزخر بها البحرين، تتم الاستعانة بخبراتها ليس على المستوى الخليجي وحسب، بل أيضاً على الصعيد الدولي، فكثير من العقول الراجحة هاجرت بعد أن ضاقت بها السبل في رحلة البحث عن وظيفة مناسبة أو لغياب التقدير والاهتمام والتشجيع، وهي مشكلة نعاني منها منذ أمد بعيد، حين نستجلب الخبرات الأجنبية لإحلالها في المناصب التنفيذية والقيادية بدلاً من المواطنين البحرينيين المؤهلين.
وهذه الكفاءات ليست من طائفة أو جماعة أو ملة واحدة، بل هم خليط يمثلون تنوع المجتمع البحريني وتعدد أطيافه، جمعتهم مقاعد الدراسة في مختلف المراحل التعليمية، ونشأت بينهم علاقات زمالة وصداقة امتد بعضها لسنوات ولايزال كثير منها قائما حتى الآن، لم تؤثر فيها كل دعوات التفرقة الطائفية، واستغلال الأحداث لتشطير الناس وتأليبهم على بعضهم البعض انطلاقاً من أفكار استخدمها المستعمر البريطاني للسيطرة على الناس وإضعافهم ولكنه لم يفلح، ولا تصلح مثل هذه الأفكار أبداً لهذا الزمان الذي أصبح فيه وعي وإدراك طفل لا يتجاوز الخمسة أعوام أسرع من بديهة الكبار.
المشكلة أن بعض من يدعون الحصافة والفهم، يستميتون في الدفاع عن أنفسهم لنفي الاتهامات الموجهة لهم بالانغماس في وحل الطائفية، بينما يقدمون كل يوم بكتاباتهم دليلاً جديداً على أنهم أصحاب فزعات استئثارية طائفية مريضة، لا يهمهم ما قد تجره مفرداتهم وكلماتهم التي تنال من كرامة الناس من انعكاس سيئ على وحدة المكونات المختلفة التي يمثلها المجتمع البحريني، والنزاعات التي قد يخلقها تحريضهم غير المباشر، واتهاماتهم لطائفة من الناس – بكل من فيها – بالعمالة والخيانة وبيع الوطن، ولكن يبقى التعويل الأساس على فهم هذا الشعب الطيب الواعي لما يدور حوله من تحركات ودعوات تستهدف وحدته وسلامة نسيجه الاجتماعي، ويشهد له التاريخ أنه تجاوز كل الصعاب بالصبر والصلابة والتمسك بالثوابت.
صحيفة الوسط البحرينية – العدد 3567 – الأربعاء 13 يونيو 2012م الموافق 23 رجب 1433هـ