قاسم حسين
لا تفلح دولةٌ تحاول التهرب من الالتزام باستحقاقاتها الدولية عبر تشكيل وزارةٍ أو لجنة أو «لُجَيْنَةٍ» خاصة بحقوق الإنسان… فضلاً عن تدريس مقرّر دراسي من 50 صفحة لطلبة الجامعات!
حقوق الإنسان منهج حياة، وخلاصة فكر، ونهاية تطور الحضارة البشرية، في عهدها الحديث، بعد قرون من النزاعات والصراعات والحروب المدمرة، وسلسلة طويلة من عهود الظلم والاستبداد والدكتاتوريات والأنظمة الفاسدة التي جعلت البشر يدفعون أنهاراً من العرق والدموع والدماء.
حقوق الانسان عقيدة والتزام أخلاقي، قبل أن تكون مقرراً من خمسين صفحة، تتبجح بتدريسه جامعةٌ انتهكت في حرمها حقوق الطلاب والطالبات، وقُدّم العشرات منهم إلى المحاكمات، في قضية مازالت تثير الكثير من علامات التعجب والاستفهام. جامعةٌ فصلت عشرات من كوادرها الأكاديمية والإدارية لأسبابٍ كيدية، وقدّمت عشرات آخرين للجان تحقيق تذكّر بلجان التحقيق المكارثية في الولايات المتحدة الأميركية في الخمسينات والستينات.
حقوق الانسان ثقافة وسلوك حضاري، وليس مقرّراً من خمسين صفحة، تتبجح الجامعة بفرض تدريسه على الطلاب. ثقافة تنبع من قناعة راسخة بتلك القيم الانسانية التي أجمعت عليها شعوب الأرض، من مساواة وعدل، وما يتفرّع عنها من مبادئ إدارية مثل تكافؤ الفرص واعتماد معيار الكفاءة بدل المحسوبية والقبلية و(هذا من جماعتنا).
إننا كبلد ونظام سياسي، ملزمون بما تعهدنا بالوفاء به أمام العالم أجمع، وخصوصاً الأصدقاء والحلفاء «الديمقراطيين»، من توصيات «لجنة بسيوني»، و«توصيات جنيف» التي بلغت 176 توصية. ومنذئذ والمجتمع الدولي يرصد حركتنا ويسجّل علينا أنفاسنا، ويدقق في صحة ادعاءاتنا وتصريحاتنا، وهو لن يقتنع بتشكيل وزارة لحقوق الانسان تكون مهمتها الوحيدة تبييض سجلنا. فالمجتمع الدولي ليس جماعةً محليةً بسيطة التفكير، يجرى غسل دماغها الجمعي وتخويفها من المكوّن الآخر من أجل استغلالها وقبولها باستباحته وقهره وسحق إرادته.
لنكن صريحين أكثر مع أنفسنا؛ فالمجتمع الدولي اليوم بات يسخر من عمليات تشكيل جمعيات كارتونية للمشاغبة على الجمعيات الحقوقية الحقيقية وتشويه صورة الناشطين الحقوقيين. هذه الجمعيات الطفيلية أصبحت أضحوكةً في العالم منذ سنوات، وأصبح لها اسم هزلي تعرف به (غونغو)، فلماذا نصر على تشكيل هذه الخرق البالية؟.
قبل أعوام، وبعد الخلاف على دستور 2002، كان لدى البحرين عشرات السجناء السياسيين، لكن العدد أصبح بالآلاف بعد فبراير/ شباط 2011، سجناء ومعتقلين وجرحى ومفصولين عن العمل من مختلف القطاعات العلمية والعمالية والفنية والرياضية والاعلامية، بل وحتى البلديين المنتخبين الذين تم فصلهم على يد زملائهم بتوصيةٍ حكوميةٍ تضرب حقوق الإنسان في الصميم.
حقوق الانسان ليس مقرراً دراسيّاً إضافيّاً من خمسين صفحة نتبجح بتدريسه للطلبة، وإنما هو ممارسة والتزام أخلاقي يجب التقيد به أولاً، حيث يرفض من الأساس سياسة التمييز والطأفنة ومعاقبة الناس بحسب انتماءاتهم الطائفية والعرقية، ومنع ترقيتهم أو مكافآتهم أو ابتعاثهم عقاباً على ما يحملون من آراء، أو يؤمنون به من أفكار سياسية أو غير سياسية.
إن كان ولابد من تدريس «مقرّر حقوق الإنسان» لطلبة الجامعة، ولا يمكن التراجع عن هذه الخطوة الجيوبوليتيكية؛ فأقترح أن يكون الدرس الأخير ما قاله أحد القراء: «وزير حقوق إنسان. جمعيات حقوق انسان. نوادي حقوق انسان. مدارس حقوق انسان. مقررات حقوق انسان. شوارع حقوق انسان. منتزهات حقوق انسان. شواطئ حقوق انسان. بس عاد ذبحتونا… ليش ما تطبقوا حقوق الانسان وتفكونا»!