المجزرة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي ضد أسطول الحرية، وما أحاط بها من مواقف وردود أفعال ونتائج، تجيء في جانب أساسي منها بمثابة إعلان جديد بإفلاس النظام الرسمي العربي وعجزه الكامل.بعبارة أخرى، جاءت هذه الجريمة الإسرائيلية لتكشف مجددا ليس فقط عجز النظام الرسمي عن إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي بما يكفل الدفاع عن المصالح العربية، وإنما لتكشف مجددا حقيقة أن هذا النظام الرسمي العربي خرج عمليا من معادلة الصراع في المنطقة بأسرها.. لم تعد الدول العربية طرفا أساسيا في موازين القوى في منطقتنا العربية، وأخلت الساحة لقوى أخرى إقليمية ودولية.بداية، من المفهوم أنه ما كان للعدو الإسرائيلي أن يجرؤ على الإقدام على مجزرة وحشية مثل هذه، لولا العجز العربي الرسمي الكامل في مواجهة العدو وفي إدارة الصراع عموما طوال السنوات الماضية.النظام الرسمي العربي عجز عجزا مطلقا عن التصدي للحصار الإجرامي الذي يفرضه العدو على غزة، وعن أن يجبره على إنهاء هذا الحصار. هذا على الرغم من أن هذا الحصار هو جريمة حرب، وهو انتهاك إجرامي للقانون الدولي.والنظام الرسمي العربي عجز عن إنهاء مهزلة الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الفلسطينية. هذا على الرغم من علم الجميع بأن هذا الانقسام هو من أكبر عوامل الضغط والوهن في الموقف الفلسطيني والعربي عموما في مواجهة العدو.والنظام الرسمي العربي عجز عجزا مطلقا عن إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، الراعي والحامي الأول للكيان الإسرائيلي، بما من شأنه أن يحدث ولو تغييرا بسيطا في السياسات الأمريكية يعكس ولو حدا أدنى من التفهم للمصالح والحقوق العربية.والنظام الرسمي العربي فرط في واحدة من أكبر الفرص التاريخية التي أتيحت له لردع العدو ولوضعه تحت طائلة المحاكمة والمحاسبة الدولية. نعني بذلك تقرير جولدستون، وهو تقرير دولي ملزم أوصى بتقديم قادة العدو إلى المحاكمة الدولية لمحاكمتهم على جرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة، كما أوصى بإجبار الكيان الإسرائيلي على رفع الحصار عن غزة، وغير ذلك من التوصيات.لكن الدول العربية، ولأسباب لا يمكن أن تكون مفهومه أو مقبولة، فرط في هذه الفرصة التاريخية، وتجاهلت التقرير تماما.في المحصلة النهائية، أثبتت الدول العربية، مرة وراء مرة، أنها عاجزة عجزا كاملا في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي، وعاجزة عجزا كاملا عن الدفاع عن المصالح والحقوق العربية في قضية فلسطين، وفي أي قضية أخرى.في هذا الفراغ الذي خلفه عجز وغياب النظام الرسمي العربي، كان من الطبيعي أن تتقدم قوى إقليمية ودولية تحاول أن تملأه، وبالطبع لحساب مصالحها هي الاستراتيجية.واليوم، كل المحللين المعنيين بشئون منطقتنا في العالم يتحدثون عن أن موازين القوى في المنطقة ومقدراتها أصبحت محكومة بالصراع أو التفاهم بين تركيا وإيران وإسرائيل وأمريكا. أما النظام العربي الرسمي، فقد أصبح خارج المعادلة.واليوم، بعد مجزرة أسطول الحرية، أصبح الكل يتحدث كيف أن بلدا مثل تركيا أصبحت هي المدافع الأول عن قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.هذه مأساة استراتيجية كبرى.نعني أن غياب النظام الرسمي العربي وإفلاسه على هذا النحو، وترك ساحة المنطقة مهبا للصراع بين قوى إقليمية ودولية غير عربية، لو استمر، فستترتب عليه بالضرورة نتائج كارثية بالنسبة إلى كل المصالح الاستراتيجية العربية وعلى كل الجبهات.والأمر ببساطة أن كل القضايا العربية، من فلسطين إلى الوضع في الخليج إلى العراق.. إلى كل قضايانا الأخرى سوف تقرر مصيرها بناء على مصالح وعلاقات قوى أخرى غيرنا، ولحسابات ليست عربية.ما لم تفق الدول العربية إلى هذه الحقيقة المرعبة بكل معنى الكلمة، وقبل فوات الأوان، فإن كل الدول العربية سوف تدفع ثمنا فادحا.