ريم خليفة
لا يمكن أن يغفل المراقبون الدوليون عما يحدث في الساحة البحرينية من تطورات تقود البلاد إلى منزلق خطير. هذا المنزلق الذي شطر المجتمع الذي من المفترض أن تتعزز فيه حقوق المواطنة، لكنه بدلاً من ذلك عزز مفاهيم لا تخرج عن إطار الفئوية والمصالح الفردية على حساب حقوق المواطنة وتكافؤ الفرص والنظام السياسي العادل.
لقد تحوّل مجتمع البحرين في العامين الأخيرين إلى مجموعات متفرقة – بحسب المراقبين – منها «الفئات المنتفعة» القريبة من السلطة التي تدعم مصالحها الفئوية بصورة أنانية وجانب آخر هو تنامي الدوافع التي تعزز الراديكالية في الشارع المُطالب بتغييرات جذرية مختلفة عن تلك التي تطالب بها جمعيات المعارضة المشاركة في جلسات الحوار.
ورغم توتر الأجواء التي زادت حدتها من بعد ذكرى الرابع عشر من فبراير (يوم الخميس الماضي) ونتج عنها قتيلان وإصابة عشرات الجرحى من الجانبين (الشارع وقوات الأمن) فإن أفق الحل السياسي ليس بقريب بسبب غياب الاعتراف بالمشكلة السياسية في البحرين.
والمشكلة السياسية في البحرين ليست وليدة أحداث الربيع العربي التي شهدتها المنطقة العربية قبل عامين ولكنها تمتد إلى عشرينات القرن الماضي بحسب تاريخ الحراك الشعبي الذي يطالب بمطالب لم تتغير كثيراً عما طالب به في مراحل سابقة من تاريخ هذه الجزيرة التي مازالت تشهد اضطراباً سياسياً منذ فترة طويلة عاشها جيل بعد جيل من مختلف الأطياف البحرينية.
وفي هذا الشأن، كتبت تقارير عن المخاوف التي تحيط بالدول الغربية وعلى رأسها الإدارة الأميركية في موضوع البحرين خاصة مع استمرار إنكار المشكلة السياسية وتبنّي الحلول الأمنية؛ إذ أشار تقرير جديد صادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إلى أن «أولئك الذين يؤكدون أن المخاوف الأميركية بشأن حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية يجب أن تتوارى وراء الواقعية والضرورات الإستراتيجية، سرعان ما يجدون أنفسهم وقد تجاوزتهم أحداث البحرين».
ويضيف التقرير الذي جاء تحت عنوان «الحليف غير الآمن: طريق البحرين المسدود وسياسة الولايات المتحدة» والذي أعده الخبير في شؤون الخليج فريدريك وهري، أنه «بعد عامين من الجمود والتوتر المتفاقم، أصبحت الإصلاحات السياسية في البحرين في حد ذاتها واحدة من الضرورات الإستراتيجية للولايات المتحدة. تدابير حاسمة لدرء مزيد من زعزعة الاستقرار التي يمكن أن تعرض المصالح والأفراد الأميركيين للخطر».
هذا التقرير وغيره يأتي وسط شكوك كبيرة حول آفاق «الحوار» الجديد والحل السياسي بين المعارضة ومختلف مجموعات السلطة التي يبدو أنها مترنحة بسبب غياب الاعتراف بالمشكلة السياسية القائمة في البحرين.
كما أن الاستمرار في إلقاء اللوم على المعارضة على الدوام لا يغير من الواقع شيئاً سوى إنكار المشكلة وتصويرها في إطار ضيِّق ومحدود رغم عمقها. بلاشك بدأت مثل هذه الأمور تؤثر على نواحٍ عديدة من الحياة البحرينية بدءاً من مستوى علاقات الأفراد بين بعضهم البعض وصولاً إلى الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية خاصة مع تنامي إنكار المشكلة السياسية في مقابل تنامي الراديكالية والعنف التي نجم عنها فوضى سببه احتقان شريحة كبيرة من الشباب الذي يشعر أنه مهمَّش على اعتبارات تقصيه من وجوده كمواطن من المفترض له صوت وحقوق.
لقد «رحبت» واشنطن كغيرها من دول الاتحاد الأوروبي بهذا «الحوار» ولكن لا يبدو أن الحوار مرحب به من قبل شارع الشباب المتمثل في حركة ائتلاف 14 فبراير ولا هو مرحب به من قبل مجموعات الحكومة أو المنتفعة التي تعيش قلقاً هذه الأيام على مستقبل مصالحها التي جنتها من بعد أحداث البحرين قبل عامين.
إن المعارضة اليوم في البحرين تعلم تماماً أن بمشاركتها في الحوار معناه أنها بدأت تخسر الشارع مثل مجموعات الحكومة التي تخاف أن تخسر هي الأخرى مصالحها بينما تبقى السلطة في وضع كما هو غير قابل لتقديم تنازلات قد تقي البحرين من مشهد سياسي مازال مضطرباً قد ينقل البلاد برمتها إلى مرحلة جديدة مليئة بالعنف وبالغضب وهو أمر قد يؤثر على الجميع وهو ما لا قد يتمناه أحد.