في مثل هذا اليوم من عام 2003، أي قبل ست سنوات، تاريخ أسر الرئيس الشهيد صدام حسين بخيانة المدعو قيس النامق، الصديق الذي أمّنه صدام حسين على نفسه، حيث انه كان يقوم بواجباته النضالية، الى جانب الخيانة سرقة النامق لما يقارب المليوني دولار تعود الى المقاومة، حيث دفنها الشهيد في مزرعة النامق.
لقد اظهر الاميركان قصة أسر الرئيس على غرار ما ينتجونه من افلام هيولود، فهم مشهود لهم بانتاج البهلوانيات، حتى يوهموا الجماهير العربية بأن هذا الفارس العربي الذي قاومهم، هاهو في جحره جبان، ولكن غباءهم سرعان ما تكتشفه الجماهير، التي يراد ان يتم غسيل دماغها، فتنحرف عن مبادئها وقناعاتها، الى حد خلق حالة اليأس والاحباط في النفوس.
لن التفت الى ما ورد في رواية خليل الدليمي في كتابه، لان الدليمي نفسه قد اورد رواية اخرى بعيدة عن موضوع الملجأ، حيث كان الرئيس بعد يوم طويل من تفقده بعض فصائل المقاومة، قد وصل بيت النامق منهكا، فكان الوقت عصرا، فطفق يقرأ بعضا من الآيات القرآنية، وبقي حتى صلاة المغرب، وقام للصلاة فما كان أن باغته الاميركان في صلاته، فكان مسدسه بعيدا عنه، ولم يتمكن من استخدامه، وتم القبض عليه.
قصة الاميركان وقصة الدليمي في الأسر تلتقيان بشيئ قليل من التشابه، فما الذي يجعل الدليمي تغيير الرواية التي اوردها نفسه عن قصة الأسر، هو سؤال مشروع لكل مواطن عربي، نترك الاجابة فيه للدليمي نفسه، ثم من تابع مواقف الشهيد في المحكمة لا يمكن ان يصدق شخصية بهذه الصلابة، وهذا العنفوان النضالي، ان يختبأ في ملجأ ولا يقاوم، لانه قائد ثورة ورئيس دولة، ويأبى ان يقتل من جندي، ومن غير المعقول ان يتخيل احد ما ان الشهيد كان يفترض نزاله مع بوش، لان هذا الأخير اجبن من أن يتقاتل مع دجاجة.
الكبرياء التي امتلأت بها نفس الشهيد تتنافى مع رواية الدليمي، وان كان خليلي الدليمي في كتابه لا اعتقد انه قد تعمد الاساءة الى الشهيد، بالقدر الذي لم يدقق فيما سمع من روايات حول قصة الأسر من هنا وهناك، فالموقف البطولي والشجاع في المحكمة المهزلة، والكبرياء التي ظهر فيها امام حبل المشنقة، توحيان بأن رجلا بهذا المعدن لا يهاب الموت، وقد جاءه فهو شهيد ان تم قتله من جندي اميركي او بوش نفسه في حالة المقاومة معه.
صدام حسين ليس بهذه السذاجة الذي ينتظر بوش حتى يستخدم سلاحه لمبارزته او مقاومته، فهو يعي تماما ان الاميركان بجنودهم هم الذين يطاردونه ويحاولون القبض عليه، وهو يعلم ان الاميركان يريدونه حيا لا ميتا، حتى يقوموا بتنفيذ سياساتهم العدوانية عليه وعلى الأمة، وكما تخيلوا في المحكمة المهزلة من جهة، وفي حكم الاعدام وشنقه من جهة اخرى.
ما الذي نستخلصه من قصة الأسر في يوم الأسر هذا وبعد ستة اعوام :
اولا الخيانة كانت السطر الأول في قصة الأسر.
ثانيا كان للمال ودناءة النفس الدور الكبير في دفع مرضى النفوس أن يقدموا على جرم الخيانة.
ثالثا تمكن صدام حسين بموقفه الشجاع في المحكمة المهزلة، وكبريائه امام ملك الموت، ان يقضي على كل الأهداف الاميركية، التي كانوا يريدون تحقيقها من قصة الأسر التي نسجوها.
رابعا الرئيس بقدر شجاعته وحنكته كان طيبا جدا في الوثوق بالآخرين، وخاصة في مثل هذا الظرف الدقيق الذي كان يمر به.
خامسا الاميركان اكثر غباء في تعاملهم مع الآخرين، فظنوا واهمين ان القبض على صدام حسين، واخيرا اعدامه سينهي المقاومة.
سادسا والاميركان ايضا كانوا اكثر حقدا على الانسان العربي المناضل، فهم لا اخلاق ولا مبادئ لهم في سبيل الحصول على منافعهم.
سابعا أن الأمة مستهدفة، وان استهدافها من اعدائها لوعيهم مدى خطورة نهضة الأمة عليهم، فلهذا نرى ان محطات العدوان عليها تشتد، عندما يبرز في الأمة من يملك القدرة على توحيد صفوفها، ويملك ارادة التحدي، فكانت هناك ثلاث محطات رئيسية في التآمر بدأت ب محمد علي وابنه ابراهيم، ثم ب جمال عبد الناصر، واخيرا ب صدام حسين.
ثامنا ما يجري في العراق يؤشر وبقوة على حجم الدورالذي كان العراق يمثله بقيادة الشهيد صدام حسين، ولهذا لم يكن مستغربا ان يلتقي اعداء الامة من امبريالية وصهيونية ومجوسية في حربهم ضد صدام حسين وقيادته الوطنية القومية للعراق.
تاسعا هذه الأمة امة ولود، واذا فقدت فارس كالشهيد صدام حسين، فانها قادرة على انجاب الف الف فارس، ويكفي ان فرسانها لا يموتون في فراشهم، بل على اسنة الرماح فهاهو البطل القومي جمال عبد الناصر مات وهو يسارع الزمن لبناء جيش مصر العظيم، لانهاء الاحتلال الصهيوني، وهاهو صدام حسين ترك مقاومة ادمت وجه اميركا البشع.
عاشرا ان قصة الأسر التي نستذكرها اليوم، لا تزيد جماهيرنا الا تصميما على مواجهة اعداء الأمة، من خلال المقاومة بشتى صنوفها وانواعها، وهاهي المقاومة العراقية الباسلة التي هندس وجودها، ووفر كل مستلزماتها صدام حسين، تتطلع الى جماهير امتها ان يقفوا الى جانبها، لانها مقاومة تخطت حدود العراق العظيم في تأثيرها، سواء الحدود القومية او الانسانية، فيجب ان نقف معها بكل ما نملك، لأن فيها الأمل ان تستعيد الأمة كرامتها، ووفاء لذكرى الشهيد التي نحتفل بها في هذه الأيام، لأن الشهادة عرس نحتفل دوما بأعراسنا.
رحم الله صدام حسين فقد عاش بطلا ومات شهيدا، وغيره من الزعماء والرؤساء من يموت على فراشه غير مأسوف عليه، لأنه ما كان يوما في خندق جماهير شعبه، ولا كان في مصلحة امته وأهدافها.