خلال الدورة البرلمانية الماضية سمعنا عن نواب ولم نرهم تحت قبة البرلمان وكأنهم يخجلون من عدسات المصورين!! وآخرون رأيناهم ولم نسمع أصواتهم وكأن أصواتهم عورة يجب سترها!! فاستحقوا بجدارة ان يطلق عليهم نواب الغياب والصمت. وقد أكدت إحصائية زاجل برس ان الفصل التشريعي الثاني الذي تم خلاله عقد 125 جلسة، شهد غياب عدد كبير من النواب تصدرهم النائب صلاح علي الذي تغيب عن حضور 36 جلسة، يليه النائب عادل المعاودة، وكان أكثر النواب انضباطا النائب خميس الرميحى تلاه النائب سامي البحيري، فيما استحوذت كتلة المستقلين خلال نفس الفصل التشريعي على لقب الكتلة الأكثر غيابا، تلاها الوفاق التي أضربت عن العمل شهرا ونصف الشهر، ثم المنبر وأخيرا الأصالة.وردت أمانة النواب على زاجل برس نافية ما جاء في إحصائيات غياب النواب، متهمة إياها بالخلط بين الغياب بدون عذر، والاعتذار الرسمي المبرر من قبل النواب بسبب المشاركات الرسمية لتمثيل مملكة البحرين في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، أو بسبب بعض الظروف الاجتماعية الخاصة.
وردت زاجل برس موضحة أنها استقت معلوماتها من مضابط الجلسات المنشورة في موقع الأمانة العامة على الانترنت، مستثنية منها من ذُكر في المضبطة سبب غيابه عن الجلسات لسفره في مهمات رسمية أو لمرض أو وفاة احد الأقارب، أما من أوردت المضبطة اعتذاره أو غيابه بدون ذكر سبب فاعتبر غائبا إلا إذا كانت مضابط مجلس النواب غير دقيقة؟!
ولكن ولله الحمد انتهت الدورة الماضية بشرها الذي كان أكثر من خيرها، وأصبحنا على أعتاب دورة انتخابية جديدة، سوف تفرز بالطبع نوابا جددا، بالإضافة إلى النواب السابقين الذين أعلنوا ترشحهم مرة أخرى، مما يدعونا إلى تنبيه الناخبين إلى ان أصواتهم أمانة يجب عدم إعطائها إلا للمترشح الذي يسعى لحمل تبعات لقب نائب مكلف من الشعب، وليس لمن يلهثون خلف حمل لقب أصحاب حصانة برلمانية، مترشحين لا يخجلون من الظهور تحت قبة البرلمان في الجلسات كافة، ولديهم القدرة على إسماعنا أصواتهم وهم يعبرون عن مشاكل وهموم ومعاناة الناس بصوت جهوري وحجة مقنعة، وأخيرا نواب لديهم الرغبة الأكيدة في خدمة الوطن والمواطن، وليس نواب لا نسمع أصواتهم أو نرى وجوههم سوى في الجلسات الأولى لسرد مطالبهم الشخصية من راتب، ومعاش تقاعدي، وسيارة، ولاب توب وما إلى ذلك لتأمين مستقبلهم، ثم يغطون في نوم عميق مدفوع الأجر مدة أربع سنوات.
خلال السطور التالية سوف نلقي الضوء على تأثير غياب النواب على انضباط سير المجلس وعلى التشريعات، وما هي الاقتراحات المقدمة لحل مشكلة هذا الغياب، وهل هناك عقاب قانوني للمتغيبين من دون عذر، وأخير ماذا قدم نواب الصمت للمواطنين.
في البداية يرى المواطن عبدالله محمد حسن (متقاعد من عام 2000 تقريبا، ويسكن في الدائرة التاسعة بالمحافظة الوسطى) ان النواب لا يهتمون بالمواطنين أو مشاكلهم، وكل ما يهتمون به هو الحصول على جواز دبلوماسي وراتب كبير، ولا يعلم ما فائدتهم إذ لم ير أو يسمع أنهم قاموا بحل مشكلة لأحد المواطنين، مما دعاه إلى أن يطرق كل الأبواب المعنية لحل مشكلته التي تتعلق بانقطاع إعانة غلاء المعيشة منذ شهر ديسمبر من العام الماضي، ومع ذلك لم يفكر في ان يلجأ إلى النائب كي يعرض مشكلته عليه في مجلسه، لقناعته بأنه لن يستفيد سوى فضح نفسه أمام رواد المجلس ولن يخرج بنتيجة، وفي هذا السياق يقول: اقطن احد بيوت الإسكان القديمة وهو يحتاج إلى ترميم منذ عشر سنوات، كما انه بلا سياج ولا يوجد به باب للجراج، وعندما ذهبنا إلى البلدية لتقديم طلب ترميم أفادونا بعدم وجود ميزانية، ولم استطع ترميمه بنفسي لوجود كيبل كهرباء ورفعه من هذا المكان يحتاج إلى 5 آلاف دينار، وعلى الرغم من ان البيت على الشارع الرئيسي ويمر النائب من أمامه باستمرار فإنه لم يفكر في إرسال احد معاونيه لمعرفة أحوال قاطني هذا البيت قبل ان يهدم فوق رؤوسهم، والنائب من المفترض ان يكون مسئولا عن أهالي دائرته وان يسعى لمعرفة مشاكلهم لان هذا هو عمله الذي يتقاضى عنه اجرا، ولكن للأسف لا نسمع عنهم إلا وقت الانتخابات حيث يرسلون أعوانهم لحثنا على انتخابهم، ولذلك أرى ان النواب لم يفعلوا شيئا للمواطنين، ويجب ان يعلموا ان الله سبحانه وتعالى سوف يسألهم عن عملهم يوم القيامة.
البرنامج الانتخابي
وتشير سيدة الأعمال رئيسة جمعية المرأة المعاصرة فايزة الزياني إلى أن البحرين دولة القانون والمؤسسات، ولذلك يجب أن يكون البرلمان واجهة حضارية لها، وان يفهم المرشح ان وجوده تحت قبة البرلمان هو تكليف وليس تشريفا، فالناخب عندما وثق به وأعطاه صوته كان ذلك بناء على برنامجه الانتخابي، فلابد من النائب أن يلتزم بهذا البرنامج من الألف إلى الياء، حتى تكون هناك ثقة بين المرشح والناخب، وما وجدناه في الدورة الماضية لم يحقق هذا الهدف، فكثير من النواب أهملوا برنامجهم، وثقة الناخبين فيهم، واهتموا فقط بمصالحهم الشخصية، بالإضافة إلى إضاعة الوقت في قضايا طائفية لا تنفع الناس ولا تعنيهم بشيء، ولكن تزيد الشتات والفرقة بين الناس، وتمزق الوحدة الوطنية، ولذلك يجب أن يكون شعار النائب هو خدمة الوطن والمحافظة على كيانه ودعم الوحدة الوطنية بكل الصور، وهذا العام تناول الكثير من قراء الصحف هذه القضية الخاصة بالصراعات والخلافات التي حدثت بين أعضاء البرلمان السابق لدرجة تحويله إلى ساحة للملاكمة، مما أضاع الكثير من الوقت من هذه الدورة، في حين كان الناس ينتظرون الإصلاحات التي وعدوا بها مثل حل مشكلة غلاء المعيشة، وضعف الرواتب في القطاعين العام والخاص، وإنصاف المتقاعدين وزيادة معاشاتهم، وحل المشكلة الإسكانية، والقضاء على الفساد بكل أشكاله، وأيضا من الظواهر السيئة للبرلمان السابق وجود الواسطة التي أصبحت شعارا للنواب حيث يقومون بزيارة الوزراء في مكاتبهم والتوسط لأقاربهم وطوائفهم لإحلالهم في الوظائف الحكومية العليا مثل الوكلاء والمديرين ورؤساء الأقسام، وهم لا يمتلكون أي خبرات أو كفاءات، مما أوجد إشكاليات في العمل وتعطيل لمصالح الناس وأعمال الجمعيات الأهلية، وبالتالي أصبح النواب هم السبب في الأضرار التي تعود على المجتمع بدلا من إفادته.
أما بالنسبة لأداء النواب فلم يكن على المستوى المطلوب، وكان غياب البعض أكثر من حضورهم، ولم تكن هناك مبالاة بالتشريعات، بالإضافة إلى ضرورة تدارك البند الخاص بتحديد المستوى الثقافي والتعليمي للمترشحين في كل من الدستور والميثاق، بحيث يلزم المترشح ان يكون حاصلا على شهادة جامعية، حتى لا يتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون كما نص القرآن الكريم، بالإضافة إلى ان البحرين تتمتع بتعليم متقدم، ويتميز مواطنوها بمستوى تعليمي وثقافي مرتفع، وليس من الإنصاف أن يصل إلى برلمانها من يقل ثقافة عن المواطنين الذين يمثلهم أمام العالم، إذ لوحظ وجود أمية أبجدية وحضارية لبعض النواب التابعين لكتل معينة، لم تراع ترشيح من يشرفها في البرلمان من أصحاب العلم والخبرة والكفاءة، ولذلك يجب على اللجنة العليا للانتخابات أن تضع شروطها للمترشحين وأهمها ألا يقل مستواه العلمي عن حصوله على الشهادة الجامعية، أو يتم تصنيف فئات المجتمع كما تفعل بعض الدول العربية، ويتم اختيار نائب ليمثل كل فئة، كنائب عن العمال وآخر عن التجار وما إلى ذلك بالإضافة إلى اختيار امرأة لتكون خير من يمثل المرأة ويهتم بمشاكلها.
خصم المخصصات
وكان للكاتب والتاجر عارف جمشير عدة آراء في أداء النواب، واقتراحات لمحاسبة المقصرين منهم حيث قال: بداية حضور النواب الجلسات أو تغيبهم متساويان إذ لا يشعر بهم احد، لأنهم اثبتوا وجودهم في البداية للحصول على مخصصاتهم كاملة من راتب وسيارة ومعاش تقاعدي ومبلغ لتعديل الأوراق وبعد أن اطمأنوا على تنفيذ طلباتهم لم يعد يهمهم حضور الجلسات، وخاصة مع عدم وجدود عقاب رادع للمتغيبين كخصم مبلغ لا يقل عن 200 دينار عن كل جلسة غياب من مخصصاتهم كاملة، وليس من الراتب فقط، أسوة بالشركات المحترمة التي تحاسب الموظف الذي يتغيب ثلاث مرات من دون عذر قوي.
والغريب ان بعض النواب يتغيبون بذريعة السفر لتمثيل مملكة البحرين في أوروبا علما بأنهم لا يعرفون شيئا عن اللغة الانجليزية، وبالتالي تصبح السفرة بغرض الوجاهة والنقاهة والفسحة، ولا اعلم لماذا وصل حال الشعب إلى هذه الدرجة من التفاهة التي تؤدي به إلى انتخاب مترشحين يبحثون عن الوجاهة فقط، نظرا لأنهم لا يملكون مقومات ممثلي الشعب سواء داخل مملكة البحرين أو خارجها، ولذلك كما يضم المجلس الأطياف كافة، يجب أن يضم جميع التخصصات العلمية أيضا من أطباء ومهندسين واقتصاديين وسياسيين وغيرهم، لا أن يكون لرجال الدين فقط.
هل من اقتراحات بهذا الشأن؟
أولا يجب أن توضع شروط وضوابط للمرشح بحيث لا يقل مستواه التعليمي عن حصوله على شهادة جامعية، كما يجب التزام ان يكون حسن السير والسلوك كما ينص كل من الدستور والميثاق، نظرا لان هناك من قام بترشيح نفسه في الدورة الماضية واستطاع الوصول إلى قبة البرلمان على الرغم من انه مطلوب في قضايا أمنية، ولذلك يجب تغيير بعض البنود في الدستور لان القانون ليس بقرآن ويجب أن يواكب متطلبات العصر، وخاصة ان النواب يمثلون المملكة في الخارج وهم الواجهة التي يجب أن تكون مشرفة أمام العالم.
كما يجب أن يحاسب النائب بعد عام من التحاقه بالمجلس على أدائه من قبل لجنة يتم تشكيلها خصيصا لهذا الغرض، ومن يثبت تغيبه أو عدم كفاءته تسحب مخصصاته ويتم الاستغناء عنه وخاصة ان هناك الكثيرين الذين ينشدون دخول المجلس للصالح العام وليس لخدمة مصالحهم الخاصة، كما حدث في الدورتين الماضيتين، إذ لم نلمس لهم أي انجازات ايجابية، ولكن الشقاق والمشاكل تزداد في كل دورة عن سابقتها.
كما يجب أن يضع المرشحون أمام أعينهم ان دورهم لا يقتصر على الحصول على راتب كبير ومعاش تقاعدي يفوق ما يحصل عليه الأطباء الذين يدرسون سبع سنوات ثم بعد عشرين سنة من العمل المتواصل، يحصلون على معاش قليل، وفي أوروبا الأحزاب هي التي ترشح النواب، وتراعي أن يكونوا على قدر من العلم والثقافة والوعي، ولا أجد ما يمنع من أن نتعلم منهم، ولكن للأسف نحن شعب لا يقرأ وإذا قرأنا لا نفهم وإذا فهمنا لا نطبق ما فهمناه، ولذلك لا اعتقد اننا سوف نستفيد من التجارب الماضية في الاختيارات القادمة، والحل الوحيد أن نعلم الطلاب في المدارس الأسس التي يجب عليها أن يختاروا من يفيد الوطن، من اجل مستقبلهم ومستقبل أبنائهم على أن يكونوا متسلحين بالعلم، ولنترك الدين لرجال الدين في المساجد.
وفي ختام حديثه يقول: لا اعرف لماذا حظ المرأة قليل مع الناخبين، علما أنها تسعى للعمل الدؤوب واثبات كفاءتها ولا تبحث عن الوجاهة الاجتماعية، واكبر دليل على ذلك ان مجلس الشورى يضم عضوات متعلمات ومثقفات، ومتحدثات جيدات وهن في منتهى النشاط ولهن صوت مسموع، ولذلك يجب أن يتم تخصيص كوتة للنساء تضم أربعة مقاعد، على أن يقوم المجلس الأعلى للمرأة باختيارهن لإثراء المجلس حتى يصبح واجهة مشرفة ويقف على قدم المساواة مع مجلس الشورى.
اكتساب الخبرة
ويؤكد عضو مجلس الشورى الدكتور خالد خليفة آل خليفة ان اللوائح البرلمانية واضحة بالنسبة لموضوع غياب النواب، حيث تنص على الاستقطاع من المكافأة في حال غياب النائب أكثر من مرتين بدون عذر، إذا ما أراد المجلس ذلك لأنه سيد الموقف في هذا الشأن، ولكنه للأسف لا يطبق هذا الاستقطاع، أما الغياب المبرر فلا يمكن الاعتراض عليه، نظرا لان أعمال البرلمانيين متشعبة ولا تصب فقط في أعمال الجلسات فلديهم المشاركة في فعاليات المجتمع بأكمله وفي المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بالعمل البرلماني، ومتابعة أمور الناخبين وغيرها من مهام تقلص في بعض الأحيان من حضور البرلمانيين الجلسات، وقد لاحظنا خلال الفصلين التشريعيين الماضيين ان الغياب خلال عمل اللجان هو الذي يؤخر عمل المجلس لان الجلسات لا يمكن ان تعقد لمناقشة أي موضوع من دون التقارير المفصلة والتوصيات التي تأتي من اللجان، ولاحظنا أيضا ان الكثير من القوانين تبقى في أدراج اللجان لفترات طويلة لأسباب من أهمها الغياب، وعدم اكتمال النصاب لعقد اجتماعات اللجان، لذلك فإن عمل اللجان هو الأهم للإسراع في إصدار التشريعات، نظرا لان أي مجلس تشريعي يقع في مرحلتين، الأولى هي مرحلة عمل اللجان، والغياب في هذه المرحلة يؤثر على تأخير القوانين وتأجيلها من جلسة إلى أخرى، والمرحلة الثانية هي الجلسات، والغياب خلالها لا يؤخر القوانين إذا اكتمل النصاب القانوني للجلسة، لذا يجب التركيز على عمل اللجان لأنها تعتبر المطبخ البرلماني الذي تعد فيه تفاصيل دقيقة للقوانين، كما على البرلمانيين مراعاة ناخبيهم بالتزام حضور جميع الجلسات ومناقشة كل المواضيع التي تطرح فيها، وذلك كي يشعر الناخب بأنه ساهم من خلال مرشحه في سن هذه التشريعات، ومن هنا تقع أهمية حضور النواب الجلسات للمشاركة في أعمالها بشكل فعال، وينطبق ذلك على مجلس الشورى فأعضاؤه كأعضاء مجلس النواب يمثلون المجتمع من خلال قطاعات مختلفة.
وعن الطريقة المثلى لانتخاب المرشحين يقول: يجب ان يكون الناخب على دراية كاملة بمستوى المرشح، ومدى قدرته على تمثيله، ونحن في البحرين لم يكن لدينا الوعي الكافي في الفصل التشريعي الأول بأهمية اختيار وانتقاء الممثل الأجدر لتمثيلنا، ولكن الآن بعد الفصل الثاني أصبح لدى الناخب خبرة تراكمية وممارسة يستطيع ان يعتمد عليها في الانتخابات، فمثلا الناخب الذي يرى ان من انتخبه في الفصل التشريعي الثاني كثر غيابه في أعمال المجلس ولم يكن على المستوى الذي يتوقعه الناخب فيجب ألا ينتخبه للمجلس القادم، وهذه الخبرة التي يكتسبها الناخب يجب ان تكون الاداة الأولى لمحاسبة
المترشحين وتقييمهم