قاسم حسين
المعلومات التي أدلى بها سعادة وزير العمل جميل حميدان بشأن عدد المسرحين خلال 7 سنوات، على درجةٍ بالغةٍ من الأهمية، وتدلّ على درجةٍ جيدةٍ من الشفافية والصدق.
الرقم نفسه رقمٌ مثيرٌ للغاية لأنه يتعلق بمصير آلاف الأسر البحرينية، ويمكن لكلٍّ منا أن يحفظه بسهولةٍ عبر تقطيعه إلى ثلاثة مقاطع: 12، 13، 9، لكي نتذكّر طويلاً أن مجموع من تم تسريحهم من القطاع الخاص وحده بلغ 12139 مواطناً بحرينياً خلال سبع سنوات.
طوال هذه الفترة، كانت هناك خطةٌ مبرمجةٌ تسير في خطين متوازيين: الخط الأول استمرار الكلام المعسول عن إصلاح سوق العمل، والخط الثاني التخلّي عن سياسة «البحرنة»، بخطى متسارعة، لتنسف بالتالي ما حققته الطبقة العاملة من مكاسب عبر ثلاثة عقودٍ من النضال النقابي (رغم محدوديتها وهشاشتها)، لحفظ حقوقها في سوق رأسمالي. وبينما كانت الوعود تُوزّع بسخاءٍ عن الازدهار المرتقب جرّاء تطبيق سياسات إصلاح سوق العمل، بما يجعل العامل البحريني الخيار الأول، كان الواقع يشي بأمرٍ آخر: تراجع نسبة البحرينيين في سوق العمل إلى 19 في المئة، بعد أن كانت 23 في المئة قبل خمس سنوات فقط.
الأرقام التي أعلن عنها وزير العمل، تتعلق بالمسرّحين من القطاع الخاص، تبدأ بالعام 2009، حيث بلغ عددهم 1129، 70 في المئة منهم من الإناث. هذه النسبة ستنقلب في السنوات اللاحقة لصالح الذكور، ولكنها تحتاج إلى تفسيرٍ من قبل الاقتصاديين، فربّما نكتشف أسباباً تساعدنا على فهم ما يجري من «إصلاحات اقتصادية» على طريقة التجربة والخطأ.
في العامين الأولين (2009 و2010)، كانت أعداد المسرّحين متقاربة (1129 و1210)، وصعد الرقم بشكلٍ حادٍ إلى أكثر من الضعف بعد الأحداث في فبراير/ شباط 2011، ليصل إلى 2688، ويستقر عند الرقم 2538 في العام 2012، رغم تراجع الأحداث وزيادة القبضة الأمنية.
في العام التالي (2013)، تراجع الرقم بمعدل الربع تقريباً، حيث هبط إلى 1800. وفي 2014 عاد ليهبط إلى 1513، وأخيراً استقر عند الرقم 1261 في 2015.
إذاً… نحن أمام نزيفٍ متواصلٍ في العمالة الوطنية، قبل وبعد الأحداث. ويمكن إرجاع بعضه إلى بنية هذا السوق الرأسمالي الجشع، وإلى السياسات الاقتصادية الجديدة، وتخلّي الدولة عن سياسة «البحرنة»؛ بينما يرجع بعضه الآخر إلى العوامل السياسية، حيث استغلت القوى المناهضة للعمالة الوطنية هذه الفرصة التاريخية السانحة لتصفية حساباتها بكل عنف، والتخلص من أكبر عدد ممكن من العمال والموظفين الوطنيين، مع توفّر البيئة التحريضية القائمة ضدهم على قدمٍ وساق. وفي ظلّ هذه البيئة العدائية لم يكن هناك أمام ضحايا التسريحات الجماعية بابٌ للشكوى أو التظلم، ولا مجال للمداورة أو المداراة.
جندرياً، المرأة التي احتفلنا رسمياً وشعبياً بيومها العالمي قبل أيام، ونشرت الصحف صور الـ (PR) بتوزيع الورود الصناعية عليها، كان نصيبها قبل الأحداث من التسريح 70 في المئة، نزلت في العامين 2011 و2012 إلى 27 في المئة و32 في المئة، وعادت للصعود في الأعوام الثلاثة التالية، لتتراوح بين 37 و42 في المئة. كانت المرأة ضحيةً قبل وبعد الأحداث.
في المقابل، حصة الذكور التي كانت أقل من الثلث (30 في المئة)، ارتفعت في 2010 إلى الثلثين (66 في المئة)، وربما يحتاج هذا العامل إلى تفسير «تقني» من قبل المختصين بالاقتصاد. وصعدت الحصة إلى ثلاثة أرباع (73 في المئة) في 2011، لتستقر في الأعوام الأربعة التالية عند هذا السقف (68-58 في المئة).
الأرقام التي أعلن عنها وزير العمل، تتعلّق بالمسرّحين من القطاع الخاص، ولنا أن نسأل سعادته عن الأرقام المتعلقة بإخوانهم العمّال والموظفين وغيرهم من المسرّحين من القطاع العام.