عبد العزيز المقالح
على كثرة ما قرأنا عن الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى انهيار الدولة العربية في الأندلس، فإننا نغفل الحديث عن السبب الأكبر في ذلك الانهيار، وهو تشظي الدولة العباسية في المشرق العربي ونشوء دويلات متصارعة ومتنافسة في الشام ومصر والمغرب والجزيرة العربية وما تعرضت له فلسطين من غزو صليبي، كل ذلك ساعد على الانقسامات الأندلسية التي مهدت لانهيار الدولة العربية هناك، وهو ما أقنع القوى المعادية لهذه الدولة بأنه يستحيل على العرب في الأندلس أن يتلقوا أية مساعدات من الدولة العربية المفتتة في المشرق بعد أن تمزقت وباتت تحتضر، لاسيما بعد الغزو المغولي وسقوط بغداد وما ترتب على ذلك السقوط المريع من انكسار عربي شامل وارتفاع حدة التنازع بين الدويلات التي انشطرت عن الدولة المركزية في بغداد .
وهكذا فإن الانهيار الفاجع الذي حدث في الأندلس لم يكن بسبب تكاثر الدويلات في ذلك الجزء من العالم الذي كان قد أصبح عربياً وإسلامياً فحسب، وإنما كان أيضاً بسبب تشظي الدولة العباسية أولاً، وقيام دويلات هزيلة متشظية عنها ومتنافسة في ما بينها ثانياً، وهي من أهم العوامل التي أدت إلى انهيار الأندلس وعجلت به وجعلت من مقاومته للتحديات الداخلية والخارجية، أمراً مستحيلاً . وكان انشغال المشرق العربي بمشكلاته وراء الصمم الذي قوبلت به استغاثات عرب الأندلس وأنين الضحايا، وما تعرضت له العائلات العربية من تقتيل وتعذيب وتنصير وتهجير، وما رافق ذلك كله من فجائع تجعل من يفتح هذه الصفحة من التاريخ الأخير للعرب في الأندلس يسقط في نوبة طويلة من الحزن والبكاء .
وأرى أن استرجاع ذلك الحدث البعيد في ظروفنا الراهنة ما يبرره فنحن في حالة تجعلنا نقول ما أشبه الليلة بالبارحة، الانشقاقات والصراعات العربية/ العربية على أشدها، والدعوة إلى مزيد من الدويلات الصغيرة والأصغر لا تتوقف، لذلك فما أحوج العرب الآن إلى أن يتذكروا مأساة الأندلس وأن يعيدوا قراءتها بعيون وعقول مفتوحة حتى لا يجدوا أنفسهم وقد خرجوا من التاريخ مرة ثانية، وعلى أرضهم وبفعل أيديهم ونتاج تراكمات تناقضاتهم . وها هي ذي الرياح الساخنة تهب على ديارهم شرقاً وغرباً وجنوباً تمهد لاقتلاع ما تبقى من الجذور، ولا أحد يدري في هذا المعترك الشديد على من يعتمد العرب في مواجهتهم للاحتمالات المظلمة، وهل سيواصلون تمثلهم بما قاله شاعرهم القديم عن المستجير من الرمضاء بالنار؟ وإلى أي مدى سيذهب بهم هذا التمثل الذي اتضحت عواقبه وبات ماثلاً للعيان؟
وتبقى الأغلبية العظمى من المواطنين العرب مؤمنة بأنه من قلب هذا الدمار ينبثق الأمل في تصحيح الأوضاع وإعادة النظر في المسيرة الخاطئة التي أدت إلى كل هذا التراجع والعناء . ولا مناص من التوجه إلى هذه الأغلبية والإنصات إلى آرائها وأفكارها، فقد باتت هي المعنية بما يحدث لها وللأمة بعدما وصلت القوى السياسية والنخب المثقفة إلى مرحلة انعدام الرؤية والفهم العميق لما تتطلبه اللحظة الراهنة من تجرد تام عن الأنانية وتحرير العقول من ثوابتها الذاتية المتحجرة وإصرارها على أن يكون رأيها هو سيد الآراء ومواقفها هي سيدة المواقف مهما كانت النتائج الوخيمة المترتبة على هذا التحجر والانفصام عن الواقع . ومن حسن الحظ أن الأغلبية العظمى من المواطنين العرب لم تعد أسيرة الجهل المطبق كما كانت قبل مئة عام، فقد أنضجتها الأيام وعلمتها تجارب العقود الماضية ما يكفي للعبرة ولمواجهة المريع والمحزن من مستجدات الأحداث .
دار الخليج:الجمعة ,13/04/2012
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.