مريم أبو إدريس
طالعتنا الصحف يوم أمس (الإثنين) بخبر مفاده «لا يحق للموظف بالقطاع العام الحصول على مكافأة شراء مدة الخدمة الافتراضية إذا كان محالاً للتحقيق التأديبي أو الجنائي أو موقوفاً عن العمل لمصلحة التحقيق ما لم يتم حفظ التحقيق أو تثبت براءته».
والتعليمات الجديدة الصادرة من ديوان الخدمة المدنية لا يمكن عدها سوى استمراراً لمسلسل الاستهداف والانتقام الذي تعرض له الموظفون الحكوميون بسبب مواقفهم السياسية منذ (14 فبراير/شباط 2011).
ومن البديهي أن تكون هذه التعليمات تستهدف فئةً محددةً اجتهد «بعض» زملائهم في الوشاية بهم وتلفيق التهم الكيدية لهم، مستعينين بصخب الفترة الأمنية التي روّجت لذلك السلوك الإنساني المشين.
إن كل هذه التعليمات والقرارات بحرمان الموظفين الحكوميين من حقوقهم أو فصلهم من وظائفهم وقطع أرزاقهم، كما حدث في وزارة الصحة، لا يعدو أكثر من تكريسٍ للسياسة التي انتهجت ومازالت تنتهج لمعاقبة المواطنين الذين شاركوا في المطالبة بالحقوق الدستورية الشرعية، وبعضهم مارس حقه خارج أوقات العمل أصلاً، ورغم ذلك سيق إلى مذابح التحقيق والوشاية التي نصبت لأغراض انتقامية بحتة.
السلطة تدعو إلى حوارٍ وتروّج له إعلامياً، فيما السياسة الواقعية التي تمارسها مؤسسات ووزارات الدولة لا تنبئ بأن أحداً يرغب بحوار حقيقي ينهي الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ عامين.
إن تهدئة الأوضاع واحتواء الأمر يتطلبان شيئاًً من الحكمة وسعة الصدر، وإزاحة كل ما من شأنه إثارة مشاعر المواطنين وحنقهم، لكن الواقع يتحدّث عن قراراتٍ تلهب النفوس المتضررة سلفاً من سياسات العقاب والاستهداف والإقصاء.
إن أحد أهم أسباب المطالب الشعبية هو هذه السياسات الانفعالية الارتجالية. ومن حق المواطنين أن يعبّروا عن آرائهم سلمياً. الموظّف ليس مستثنى من هذا الحق، ولا يجوز عرفاً ولا قانوناً تهديده بالفصل أو الحرمان لممارسته حقه في التعبير عن مطالبه، وهو الحق المكفول دولياً والمفترض محلياً أيضاً.
في كل بلدان الربيع العربي لم يتعرض الموظفون للملاحقة والفصل من أعمالهم وقطع أرزاقهم، ولا يجب أن تكون البحرين الدولة السبّاقة في ذلك، بل الأولى احترام الحق الدستوري الذي يكفل للمواطنين حرية التعبير عن آرائهم ومطالبهم.
وبدلاً من استحداث قوانين تصب في تعميق الأزمة، حبذا لو أعيدت للموظفين حقوقهم المالية عن فترات الفصل التعسفي وغير القانوني الذي طالهم، وأن يُعاد الموظفون الذين نقلوا تعسفياًًً من مواقعهم إلى مواقع أدنى كنوعٍ من العقاب الذي استفاد منه المتربصون بالقفز على مناصب لم يحلموا يوماً بالوصول إليها، وأن تدفع تعويضات لائقة للموظفين الذين اقتيدوا للتحقيق في مراكز الشرطة وتعرّضوا للإذلال والتحقير بسبب وشاية الصغار نفسياً وإنسانياً.
هذا ما يجب أن يحدث إن أردتم أن ينتهي هذا الملف العالق منذ عامين، عالقٌ لوجود استحقاقات للموظفين، مالية وإنسانية.
العقل يوجب علينا أن نخفف ونحل ما حدث من أخطاء لا أن نزيد النار حطباً.