هاني الفردان
ما كنا نجرأ على الحديث عن أحكام قضائية لولا أن آخرين سبقونا لذلك في مؤتمر صحافي روّجت له الدولة بنفسها ووصفته بـ «العالمي»، ففتحت المجال للحديث عن القضاء.
ما كنا سنجرأ على الحديث عن «مكافأة في الأحكام» لولا أن آخرين سبقونا لذلك صراحة، ولم يتهموا من قبل السلطة بإهانة القضاء أو التدخل في شئونه والاستنقاص من مكانته، وهو ما فتح لنا المجال للحديث نحن أيضاًً عن ذات الإشكالية، و«مكافآت»، كوننا جزءاً من هذا الوطن لنا فيه شجون وآلام.
شهد الأسبوع الماضي سلسلة من القضايا الحساسة التي تتداولها السلطة القضائية الموقرة، ففي يوم الأربعاء (26 ديسمبر/ كانون الأول الماضي) ألغت محكمة الاستئناف الجنائية العليا حكم الإعدام الصادر بحق متهمين وذلك في قضية «مقتل الشرطيين» والمعروفة بـ «الدهس»، فيما خفضت الأحكام الصادرة بحق 4 متهمين آخرين من السجن المؤبد إلى السجن 15 عاماً.
هذا التخفيف للأحكام لم يعجب رجل الدين رئيس تجمع الوحدة عبداللطيف المحمود ووصفها بـ «الصدمة لأهل الفاتح»، لأن الحكم خفض من الإعدام إلى المؤبد، إذ طالب المحمود وتجمعه بالقصاص العادل وأقصى عقوبة لجريمة القتل العمد، معتبراً أيضاً تخفيف الأحكام «استجابة ورضوخاً للضغوط الدولية».
بعد ثلاثة أيام فقط، وبالتحديد يوم الأحد (30 ديسمبر) صدر حكم آخر في قضية قتل عمد، ولكن كان المتهم فيها رجال أمن، والمجني عليه من أفراد الشعب، وصدر الحكم في قضية تعذيب حتى الموت داخل السجن، بالسجن سبع سنوات لشرطيين فقط، وهو الأمر الذي لم يشكل صدمة لدى الشارع العام البحريني بشكل عام وليس لفئة فقط، الذي لم يتوقع أن تصدر أحكام تقنعهم على رجال أمن.
وصف المحمود وتجمعه تخفيف حكم الإعدام إلى «المؤبد» بـ «المكافأة»، فيا ترى كيف سيصف حكم التعذيب والقتل العمد في السجن بسبع سنوات فقط، وهل سيتحدث المحمود عن ضغوطٍ ومحاباةٍ في الأحكام؟
هل سنشهد من المحمود وتجمعه، كلمة حق ولو لمرة واحدة، وبيان يتكلم فيه عن الأحكام في قضية تعذيب وقتل الشهيد عبدالكريم فخراوي داخل السجن؟ أم أن هذه القضية ليست من اختصاصه.
رفض المحمود في المؤتمر الصحافي الذي روّجت له السلطة في فندق كراون بلازا يوم الخميس (27 ديسمبر) «تسييس القضاء والتدخل فيه، ورفض الازدواجية في تطبيق القانون، ورفض الانتقاص من حق أهل الفاتح في إحلال الأمن والأمان لهم ولجميع المواطنين والمقيمين، ورفض استغلال توصيات بسيوني لمكافأة من أجرم في حق الوطن والمواطنين والمقيمين»! فهل سيرفض المحمود أيضاً انتقاص حق عائلة فخراوي والجزء الآخر من شعب البحرين، والقصاص من القتلة، الذين عذبوه وقتلوه بدم بارد خلف جدران السجون؟ هل سيرفض المحمود أيضاً ازدواجية التطبيق للقانون، ويعلنها مدويةً بالقصاص من قتلة فخراوي، كما طالب بالقصاص من قتلة الشرطيين؟ وهل سيساوي المحمود بين دم رجل الأمن والمواطن ولن يفرق بينهما مهما كان دينه أو مذهبه، ولن يقف في جانب على حساب الآخر؟ هل سيعلن المحمود رفضه للضغوط التي يمارسها وجماعته على القضاء واستقلاليته، ويوقف ضغوطه المتكررة مع المعنيين عن القضاء في اتجاهات معينة وفي قضايا محددة؟ هل سيؤيد المحمود إعدام رجال الأمن الذين ثبت قتلهم للمواطنين من أبناء الشعب الذين لا ينتمون لـ «أهل الفاتح»؟
ما هو التفسير الذي يمكن أن نستخلصه من أن قضايا المحسوبين على المعارضة تكون فيها الأحكام عالية وتصل للإعدام والمؤبد، والسجن لسنوات طويلة، فيما نرى القضايا التي يتهم فيها رجال أمن بالقتل والتعذيب وانتهاك حقوق المواطنين، مخففة ولم تتعدَّ في أقصاها سبع سنوات، رغم ثبوت جرم التعذيب والقتل العمد والانتهاكات.
نؤكد نحن أيضاً كما أكد المحمود في مؤتمره الصحافي «العالمي»، «إننا في الوقت الذي نحترم فيه القضاء ونطالب باستقلاليته نطالب بتطبيق القانون على جميع المجرمين من غير هوادة»، وسنسأل أيضاً كما سأل المحمود: هل هذه الأحكام (لرجال الأمن في قضية فخراوي وغيرها) مقدمة للإفراج عنهم، و«مكافأة» على تجاوزاتهم وانتهاكاتهم في الوقت الذي يحتاج الأمر فيه إلى الصرامة والحزم؟
في الختام… سأستشهد بما جاء في مدونة سلوك الشرطة، والتي من شأنها أن تجعل عقوبة رجل الأمن أشد من عقوبة المواطن العادي وليس أخف، فقد حظرت المدونة على رجل الأمن بالمطلق التعذيب أو غيره من ضروب إساءة المعاملة، ولا يجوز لهم التذرع بأوامر عليا أو ظروف استثنائية كحالة الحرب أو وجود خطر يهدد الأمن العام الوطني لتبرير التعذيب، كما دعت رجال الشرطة إلى الالتزام بحماية صحة الأشخاص المحتجزين في عهدتهم.