هاني الفردان
سأبدأ من حيث انتهى إليه البيان الرسمي للحكومة و«جمعيات الفاتح» وممثلي السلطة التشريعية في الحوار يوم الأربعاء (18 سبتمبر/ أيلول 2013) من أنهم بعد قرار قوى المعارضة تعليق مشاركتها في الحوار «قرروا أن تستمر المشاورات الثلاثية فيما بينها بالتنسيق مع إدارة جلسات الحوار».
«المشاورات الثلاثية» عبارة ذكية انتقيت بدقة متناهية لتوصيف حالة جديدة مغايرة لحالة الحوار، بعد موقف قوى المعارضة منه، وهي حالة تؤكد عدم قدرة الأطراف الثلاثة (السلطة ومواليها) من التحاور فيما بينها، إذ إن الحوار هو بين الأطراف المختلفة والمتناقضة أو المتصارعة، بينما التشاور عادة ما يكون بين الأطراف المنسجمة فيما بينها.
ومن ذلك المنطلق، بات واضحاً أن عملية الحوار لا تُجرى حالياً على طاولة سعادة وزير العدل بل خرجت إلى ساحةٍ أكبر، وهي الساحة السياسية العملية واليومية بين النظام بمفهومه الأعم والمعارضة.
السلطة تعتقل المساعد السياسي للأمين العام لجمعية الوفاق خليل المرزوق وتوجه له تهم «دعم الإرهاب والتحريض عليه»، وتهدد بترحيل الشيخ حسين النجاتي، وحل المجلس الإسلامي العلمائي. في المقابل المعارضة تعلق مشاركتها في الحوار وبشكل مفتوح، وليس كسابقاتها من التعليقات لمدة محددة، بل لأجل غير مسمى، في رسالة واضحة بأن العودة لطاولة الحوار لن تكون سهلة، وتتحدى قرار تنظيم الاتصال مع الدبلوماسيين.
في مقال سابق، تحدثت عن أن المعارضة لن تخسر شيئاً من مشاركتها في الحوار حتى وإن كان «هشّاً»، كما وصفته الصحافة العالمية، فهي قادرة على التكيف مع اللعبة السياسية، لقناعتها وقناعة العالم بأسره، بأن التغيير نحو الديمقراطية مصيرٌ محتومٌ لكلّ شعوب الأرض.
اللاعب الآخر مع المعارضة في الحوار (السلطة) فطن إلى أن المعارضة في هذه المرة لن يكون انسحابها من على الطاولة سهلاً، فقد أجادت المعارضة فن السياسة، وقراءة المعطيات وتوقّع المفاجآت، ومن ثم فهم المخرجات.
الفهم السياسي للواقع البحريني المملوء بالاحتقان الأمني، يؤكد أن المعارضة اتخذت قرار «الانسحاب» من الحوار، في ظل توافر الظروف المحلية والدولية المساعدة على ذلك، فالعملية الأمنية على أشدها، وبتصريحات رسمية عليا وعلنية، إلا أن المعارضة لجأت هي الأخرى للعب السياسي بـ«الألفاظ» فتحدثت عن «تعليق مفتوح» وليس «انسحاباً» ضمن تكتيك سياسي واضح، كما أعلنت السلطة على إثر «تعليق المعارضة» أنها ستكون في حالة «تشاور» وليس «حواراً» مع الأطراف الموالية لها.
السلطة تمنت من المعارضة أن تعلن «الانسحاب» لتتهمها بالسلبية تجاه المبادرات التي يرونها إيجابية، وبالتالي إنهاء قصة الحوار التي طالت كثيراً، في ظل تبني السلطة ومواليها الخيار الأمني على الحل السياسي.
التكتيك السياسي لقوى المعارضة هو الإبقاء على «شعرة معاوية» من خلال «إعلان» التعليق لا الانسحاب، وبالتالي فرض إبقاء الحوار قائماً، وهو الأمر الذي سيفضح حقيقة تركيبة طاولة الحوار، إذ إن السلطة ستقع في مصيدة عدم القدرة على الاستمرار في عقد جلساته من دون المعارضة، وهو ما سيثبت عدم امتلاك السلطة لأية رؤية سياسية أو مشروع يمكن أن تتحاور بشأنه مع الطرفين الجالسين معها حالياً على الطاولة.
تعليق المعارضة لمشاركتها في الحوار، سيعري أيضاً حقيقة مطالب «جمعيات الفاتح»، وقدرتها على تقديم رؤية سياسية حقيقة يمكنها أن تخرج البلد من أزمتها الحالية، ولو وجدت لكان بالإمكان أن تتحاور مع السلطة بشأنها من دون وجود المعارضة، على رغم تأكيدات ممثل تجمع الوحدة في الحوار عبدالله الحويحي، أن وجود ثلاثة أطراف في الحوار، يحقق الغرض من الحوار، وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً، لماذا قررتم إذاً «التشاور» بدلاً من الحوار؟!
عدم انسحاب المعارضة من الحوار وتعليقها المشاركة أدخل الطرف الآخر (السلطة) في مأزق نتائج وتداعيات الحوار في ظل ترقب العالم بأن يسفر هذا الحوار عن نتائج تحقق طموحات الشعب البحريني، أضف إلى ذلك تداعيات مجلس حقوق الإنسان ورفض المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي لقاء الوفد الرسمي، وبيان الـ 47 دولة، وقرار البرلمان الأوروبي؛ اللذين أجمعا وأكدا أن حالة حقوق الإنسان في البحرين خطيرة.
لماذا فشل الحوار؟ باختصار لأن السلطة غير قادرة على الاستمرار فيه من دون وجود المعارضة، وهذه حقيقة مجردة ومجربة، فعلى الأقل أثبتت صدقها في مناسبتين الأولى في الرابع من سبتمبر/ أيلول 2013 عندما عجزت «الأطراف الثلاثة» عن عقد الحوار في ظل مقاطعة المعارضة المحتجة على قرار وزير العدل بشأن تنظيم الاتصال بين الجمعيات السياسية والدبلوماسيين.