عبدالنبي العكري
نعم فبعد أكثر من ثمانية أشهر من جلسات الحوار والتي تضم ممثلي المعارضة والموالاة والحكومة، وبعد أن أكّد ممثلو الحكومة أنهم سيقدّمون مرئياتهم في الوقت المناسب، وذلك رداً على مشروع المعارضة الذي يرتكز أساساً على وثيقتي «المنامة» و«نبذ العنف»، وفي غياب أيّ مرئيات حقيقية من قبل فريق الموالاة، ها هي جهينة ترد على مشروع المعارضة.
جهينة هذه التي تتصدر المشهد الإعلامي الرسمي في التلفزيون والإذاعة والصحف والندوات والفضاء الإلكتروني، قدّمت مشروعاً متكاملاً في بضع جمل، ولكنها عناوين استراتيجية.
جهينة التي لم تكتفِ بدورها الإعلامي البارز والأضواء الكاشفة، تقدّمت لتنقذ كلاً من الحكومة والموالاة من حرجهم، واجترحت صيغة الخروج من الأزمة بحلّ ذي ركيزتين، الأولى: هي أنه يجب التوقف عن إدخال أية تعديلات دستورية أو قانونية، فما لدينا (عال العال)، والمطلوب تفعيل الدستور والقوانين، وبناء المجتمع المدني بشقّيه السياسي والأهلي، بعيداً عن التركيبة الحالية الدينية والقبلية؛ الثاني: هو إقامة الدولة المدنية والمجتمع المدني السياسي والأهلي المستندة إلى البنى والتنظيمات المدنية غير الدينية والقبلية.
وهكذا أفحمت جهينةُ المعارضةَ التي تصفها بالمذهبية، في حين تصف النظام مواربةً بالقبلية، وجعلت المعارضة في موقعٍ لا تحسد عليه.
لن أفنّد هذا الطرح فهو متهافتٌ من ساسه لكرياسه، ولكن هذه المبادرة هي تعبيرٌ عن إفلاس الموالاة بأحزابها ونوابها وشورييها ومستشاريها. لقد تحوّلت قيادات الموالاة إلى كتّاب أعمدة، بدل أن يكونوا قادة سياسيين يعملون في صفوف تنظيماتهم، ويصيغون سياسات تهم الشأن العام، وتتوجّه إلى جماهيرهم وإلى جماهير شعب البحرين ككل، في حوارات مفتوحة وتفاعلية، للخروج من الأزمة، بغضّ النظر عن الأطروحات والتصورات.
لقد تحوّل قادة الموالاة إلى صحافيين وليس قادة سياسيين، وحيث أن الصحافة مهنة وموهبة، فإن أداء هؤلاء كان متواضعاً، ومواضيعهم مكرّرةً حفظناها عن ظهر قلب، وهي أساساً تستهدف تسفيه المعارضة وطروحاتها وشخوصها، وشيطنتها وتخوينها، في اسطوانةٍ مكرّرةٍ ومشروخة.
أمام هذه الوضعية، جاءت جهينة لتقلب الطاولة، وتتبادل الأدوار! فأمام عجز القادة السياسيين للموالاة، وأمام استنكاف الحكومة عن التقدّم بحلٍّ، تقدّمت جهينة لتقول: نعم، هناك مشروعٌ لطرف رابع، وهو الأغلبية الصامتة، والتي تعرف مصلحة النظام أفضل منه، وتعرف مصلحة الموالاة أفضل منها. فلن نستغرب أن تحوّل مقالها العابر إلى برنامج سياسي بمساعدة الخبراء، وتشكّل تنظيماً سياسياً للأغلبية الصامتة، أو حركة جماهيرية حتى تضيع الفواصل والمسئوليات، وهذا ليس غريباً في السياسة اليوم.
سيلفيو برلسكوني، مالك شبكات الإعلام من محطات تلفزيون وصحف وغيرها، انطلق من مملكته الإعلامية، ليشكّل حزب الديمقراطية الحرة، ويتصدّر المشهد السياسي الإيطالي، ويصبح رئيساً للوزراء لسنوات، وتمكّن من إفساد الحياة السياسية وحياة السياسيين وهو في مقدمتهم، لكن وفي الأنظمة الديمقراطية منها، ظهر طفح على جلد الجسم السياسي، فإنه لابد أن يجرى تصحيحه، وهكذا خرج برلسكوني من الحكم مجللاً بالعار، وها هو في طريقة للخروج من مجلس الشيوخ، ليؤدّي حكماً بالسجن في قضية تهرّب ضريبي وفساد جنسي. كما أن عمران خان لاعب الكركيت القديم تزعّم حزباً باكستانياً، لقي إقبالاً في البداية لقرف الناخبين الباكستانيين من الأحزاب التقليدية، ثم ها هو يخسر في الانتخابات الأخيرة.
المهم في الموضوع، أنه مهما جرى الترويج من خلال الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لشخصيات طارئة على العمل السياسي، وليس لها رصيد في العمل السياسي، بغض النظر عن توجهاتها وايدلوجيتها، فإنه لن يكون لها دور سياسي… فما بالك قيادي. ورحم الله من عرف قدر نفسه!