مريم أبو إدريس
تبدو الوشاية إحدى هوايات البعض العلنية، ورغم كونها صفة ذميمة إلا أن البعض أصبح يتفاخر لكونه واشياً وخاصة مع التغير الذي أحدثته التطورات لتصبح الوشاية إحدى علامات المواطنة لدى شريحة من الشعب.
لقد أعادت دعوة وزير الدولة لشئون الاتصالات بشأن الابلاغ عن المواقع والحسابات لبعض هواة الوشاية بريق متعة ممارستها وخاصة لأولئك الذين يتحينون الفرص للانتقام وتصفية حساباتهم مع الآخرين.
منذ أيام نشطت بعض الحسابات عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير «تويتر»، وارتفعت نبرة التهديد والوعيد، وأعيد نشر بعض صور المواطنين الذي شاركوا في مسيرات فبراير/ شباط 2011 لتُرسم حول وجوههم الدوائر من جديد مع تعليق يتوعد اصحاب الصور بالويل والثبور.
إعادة إحياء فترة الوشاية لن يصب عاجلاً أو آجلاً في مصلحة أحد، وخيار العقل يجب أن يتقدم على جميع الخيارات الاخرى التي مازالت تسيطر على المشهد المحلي، لقد اختبر البحرينيون وقع الوشاية في 2011 ورغم فصل كل من تم التعرف عليهم من خلال دوائر الانتقام التي رُسمت على وجوههم ونُشرت عبر مواقع التواصل وشاشة التلفاز الا ان غالبية أولئك عادوا للعمل بعد فترة وجيزة وبضغوطات خارجية وداخلية شتى، انتهت تلك الفترة لكن من مارَس الوشاية خلق بينه وبين ضحاياه حاجزاً لا يمكن تخطيه لسنوات طويلة قادمة، وما أكثر الواشين في ذلك الوقت.
خلاصة القول ان كل افرازات الفترة الأمنية وما يعقبها من ضرر آيلٌ إلى انتهاء طال أمد ذلك أم قصر، ما سيبقى قائماً هو الشرخ الذي سيطال العلاقات التي تجمع بين مكونات الشعب البحريني والتي لا يمكن اعادة بنائها بدعوة رسمية كما هو الحال بهدمها.
لا يمكن أثناء حديثنا عن ذلك تقديم الامر من منظور المنطق، فما وقع ويقع وسيقع يخلو من المنطق والعقل، وما الدعوة لتكوين ميليشيات شعبية تواجه مكونا شعبيا آخر الا خلو من المنطق الذي غاب عن مشهد الحدث السياسي والشعبي منذ قرابة الثلاثة أعوام.
الحل لن يكون عبر كل تلك التوصيات والدعوات التي تصب في خانة التأزيم، بل عبر الاستماع للصوت المختلف وإن بدا غاضباً ومقيتاً بالنسبة لاصحاب القرار غير أن ذلك هو اول الطريق للحل، قدر البحرينيين أن يعيشوا معاً، رضوا بذلك أم رفضوه، لا طاقة لاحد على طرد الاخر أو اخراجه من ارضه، وعلى الجميع تغليب لغة العقل واخلاص النية للتوصل لحل يرضي الجميع ويكون بمصلحة الجميع، لا الوشاية ستحقق أمناً، ولا المليشيات ستمنع الآخرين عن المطالبة بحقوقهم، وعلى العدل أن يتمثل أساساً للحكم بين الناس، في التساوي أمام القانون، في الاحتكام للعدالة عند الخصومة، أن يكون للجميع ذات الصوت ولتختفي صور المحاباة والتفاوت، ولنعيد أبطال الانتهازية ومهرجي الضغينة ومن يعيش على عذابات الاخرين إلى جحره.