في اجتماعهم الاخير في القاهرة، ناقش وزراء الاعلام العرب قضية القرار الذي اتخذه مجلس النواب الأمريكي ودعا فيه الى فرض عقوبات على مشغلي الاقمار الصناعية العربية التي تبث قنوات فضائية عربية اعتبرها القرار " قنوات ارهابية".
الوزراء اصدروا قرارا نددوا فيه بهذا التحرك الأمريكي واعتبروه تدخلا في الشئون الداخلية للدول العربية، وطلبوا من وزراء الخارجية العرب "القيام بتحرك في الولايات المتحدة لاظهار الاثر السلبي الذي يمكن ان يحدث في حالة فرض عقوبات على مشغلي القنوات الفضائية العربية".
طبعا، هذا الموقف الذي اتخذه الوزراء العرب هو مبدئيا موقف جيد، على اعتبار انه رفض ما فعله مجلس النواب الأمريكي واعتبره تدخلا في الشئون الداخلية العربية.
لكن المشكلة الأساسية مع ما اتخذه وزراء الاعلام العرب على هذا النحو هي ان موقفهم بداية لا يرقى الى مستوى الخطورة التي يمثلها قرار مجلس النواب الأمريكي.
قرار مجلس النواب الأمريكي ليس مجرد تدخل في الشئون العربية الداخلية، وانما هو ارهاب سياسي واعلامي صريح ومباشر، وهو اهانة للعرب وقضاياهم. فالقرار الأمريكي يعتبر ان أي دعوة اعلامية عربية للمقاومة هي ارهاب، ويعتبر ان دفاع أي فضائية عربية عن الحقوق العربية بحزم هو تطرف وعنف.
واذا تهاون العرب مع هذا القرار الذي اتخذه مجلس النواب الأمريكي، وصدر فعلا بشكل نهائي، فسوف يفتح الباب واسعا امام ارهاب يستهدف كثير من القنوات الفضائية العربية. فاي قناة تنتقد أمريكا او اسرائيل او تندد بالسياسات العدوانية تجاه الدول العربية من الممكن ان يعتبروها قناة ارهابية تطولها العقوبات.
والمشكلة في القرار الذي اتخذه وزراء الاعلام العرب انه يتحدث بلغة لا تفهمها أمريكا، ولا يمكن ان يكون له أي تاثير ايجابي. هي بعبارة ادق لغة منقرضة في عالم السياسة اليوم.
نعنى بذلك ان الاكتفاء بلغة الادانة والشجب والتحذير من المخاطر، هي لغة لا احد يأخذها باي قدر من الجدية. ولا يمكن مثلا تصور ان الأمريكيين يمكن ان يعيدوا النظر في القضية او يتخلوا عن المضي قدما في باقي خطوات اصدار القرار، لمجرد ان العرب ادانوه.
اللغة الوحيدة التي تفهمها أمريكا ويفهمها العالم هي لغة الاجراءات والسياسات العملية التي يمكن ان تؤثر فعلا.
هنا مثلا، كان بمقدور وزراء الاعلام العرب ان يعلنوا انه اذا تم اقرار هذا القانون الذي يستهدف قنوات فضائية عربية بشكل نهائي، فانهم سوف يتخذون اجراءات شبيهة بالمقابل ضد القنوات الفضائية الأمريكية التي تبث في العالم العربي والتي تعادي العرب والمسلمين وتحرض على العدوان عليهم وتكرس الكراهية والنوازع العنصرية ضد العرب. كان بمقدور الوزراء العرب ان يعلنوا انهم سوف يعتبرون هذه القنوات الأمريكية قنوات ارهابية وسوف يسعون لحظر بثها في الدول العربية.
وكان بمقدور الوزراء العرب مثلا ان يهددوا بوقف أي شكل من اشكال التعاون الاعلامي مع الولايات المتحدة.
لو هدد وزراء الاعلام العرب باتخاذ اجراءات عملية مثل هذه او أي خطوات اخرى في نفس الاتجاه، لربما اعاد الأمريكيون النظر فعلا في موقفهم هذا من القنوات الفضائية العربية.
وعلى العموم، من الظلم ان نلوم كثيرا وزراء الاعلام العرب. فالحادث هو ان هذه اللغة السياسية المنقرضة هي اللغة الوحيدة التي يتحدث بها كل المسئولين العرب ازاء كل قضايانا، وعلى كل المستويات وصولا الى مستوى القمم العربية.