قاسم حسين
أرسلت وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف خبراً عبر الايميل إلى الصحف عصر السبت الماضي، عن لقاء الوزير عدداً من رؤساء وممثلي الجمعيات السياسية في إطار ما أسماه عملية «التواصل».
الخبر كان مبهماً تماماً، إذ جاء دون صورٍ للقاء، ودون أن يذكر أسماء الجمعيات أو ممثليها، ما أثار الكثير من التساؤلات والشكوك التي عكستها تعليقات القراء على الموقع الالكتروني. وفي الوقت الذي اختارته إحدى الصحف مانشيتاً مع صورة أرشيفية، نشرته الصحف الأخرى خبراً صغيراً على الصفحة الأولى حتى دون صورة، أو نقلته للمحليات في الداخل.
الخبر صياغته تقليدية تماماً وجمله من النوع الإنشائي الذي لا يتضمن أي جديد، فهو ينوّه بـ «الروح الوطنية العالية التي تجلت في أيام وليالي هذا الشهر، مجسّدةً بذلك أجمل صور التآخي والتزاور وروح الأسرة الواحدة في ظل الأجواء الروحانية والإيمانية المباركة إحياءً لهذا الشهر الفضيل».
الخبر الذي أهمل أسماء الجمعيات، أشار إلى استعراض رؤاها العامة المتصلة بمجالات التطوير السياسي، وأبرز قضايا الساحة الراهنة. وذكر أن هذه اللقاءات «تأتي في سياق العمل لدفع التفاهمات بين الجميع في مجال العمل السياسي بما يُسهم في تحقيق المزيد من التنمية والتقدم عبر المؤسسات الدستورية القائمة ومن خلال تعزيز الأرضية المشتركة… والثوابت الوطنية الجامعة»، وهكذا يعيدنا الخبر مرةً أخرى للكليشيهات والعبارات الفضفاضة.
كلمة «دفع» و«تفاهمات» كان لهما تأثيرات سيكولوجية مختلفة على المتلقي، فكلمة «دفع» أوحت للكثيرين بأن الحضور، الذي تأكّد أنهم من طيف واحد، لم يكونوا مقتنعين أو راضين بما سمعوه كما يبدو، ما استدعى عملية «دفع» لإقناعهم بوجود مصلحة ما في إيجاد «تفاهمات»، لا يؤمنون بها حتى الآن!
من الجانب الآخر هناك شكوكٌ كبرى في إمكانية عقد أية «تفاهمات» مرحلية كبرى، مادمنا نراوح مكاننا منذ 18 شهراً، في الاتفاق على «تفاهمات صغرى»، من قبيل عودة بقية المفصولين لأعمالهم مع حفظ كرامتهم، ووقف الاستهداف لعشرات وعشرات من المعلمين الذين تم إيقافهم ومعاقبتهم عدة مرات للسبب ذاته، فضلاً عن ملف الأطباء والممرضين والمسعفين، الذين تكشّف أن أغلب التهم التي وُجّهت إليهم كانت كيدية، ولدوافع سياسية. والأسوأ في القصة كلها أن أطباء من زملائهم تقدموا بشهادات زورٍ ضدهم أمام المحكمة وقدّموا معلومات مضلّلة للقضاء، دون أن تتخذ وزارة العدل أي إجراء لمحاسبتهم حتى الآن، أو إعادة الاعتبار للأطباء الذين برّأ ساحتهم القضاء.
قبل الترويج لـ «تفاهمات كبرى»، حريٌّ بنا البدء بالتفاهمات الصغرى التي مازلنا نصرّ على عدم تجاوزها، مثل ملف المساجد التي تم هدمها في لحظةٍ حزينةٍ من تاريخنا الحديث. ففي هذه الواقعة الغريبة، دافعت الوزارة المعنية بالشئون الإسلامية والعدل والأوقاف، عن هدم عشرات المساجد بدعوى «عدم الترخيص». وهي مفارقةٌ لا ينقضي العجب منها، وستظل سابقةً على مستوى العالم العربي والإسلامي كله لعشرات السنين.
الوزير أكّد في تصريحه على «إدانة العنف» بصورة صريحة وحاسمة، بينما تتناقل الفضائيات ووكالات الأنباء الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي ليلياً، عشرات الصور ولقطات الفيديو عن اعتقالات جديدة وانتهاكات للمنازل واستخدام واسع للغازات المسيلة للدموع في الأحياء السكنية. وهي وقائع لم تفنّّدها الجهات المعنية بردودٍ مقنعةٍ تثبت عدم وقوع مثل هذه الانتهاكات، التي تدمّر أجمل صور التآخي وروح الأسرة الواحدة، وتعكّر الأجواء الروحانية والإيمانية المباركة في هذا الشهر الفضيل.