هاني الفردان
قال وكيل الوزارة للشئون الإسلامية فريد المفتاح في 9 يونيو/ حزيران 2013 إن «خطة الوزارة الاستراتيجية لإعمار وتشييد دور العبادة في مختلف مناطق البحرين تأتي تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية لعاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة من أجل تعزيز المسيرة التنموية وخدمة المجتمع عبر تلبية احتياجات جميع المناطق من دور العبادة وفق المخطط العام، وفي إطار متابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق بشأن تسوية أوضاع المواقع المخالفة التي كانت تستخدم كمساجد».
جاء ذلك التصريح الرسمي خلال «بهجة» الوزارة بإعادة بناء مسجدين هدمتهما من قبل في فترة السلامة الوطنية مخالفةً بذلك القوانين الوضعية والإلهي. جاء ذلك التصريح ليسجل اعترافاً صريحاً من الوزارة بأن هدمها كان مخالفاً للقانون، ولذلك فهي تتحدث في بياناتها فقط عن «إعادة إعمار وتشييد دور العبادة»، دون الحديث عن خططها في فترة السلامة الوطنية بـ «هدم دور العبادة».
ليس غريباً أبداً إصرار وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف ومسئوليها، على عباراتهم وألفاظهم السابقة، فهم كما هم منذ هدم أول مسجد ووصفهم لبيوت الله بـ «المنشآت» وحتى الآن لم يتغيروا، ولم تتغير سياساتهم سواء كانت المعلنة أو المخفية؛ فمازالوا مصرّين على عدم الاعتراف بالخطأ في «هدم المساجد»، ومازالوا يعتبرون ما هُدم من مساجد «هي مواقع مخالفة للقانون»، حتى وإن سجل التاريخ وجودها قبل مئات السنين.
وزارة العدل ومسئولوها مازالوا يكابرون حتى في محاولاتهم «الخجولة» لترميم فضيحة «هدم المساجد» فهم متمسكون في أدبياتهم وبياناتهم بأن تلك المساجد «مواقع مخالفة كانت تُستخدم كمساجد»، والأسوأ من كل ذلك هو «افتراؤهم» على تقرير لجنة تقصي الحقائق عندما أكد بيانهم الأخير بأن إعادة إعمار بعض المساجد جاءت «في إطار متابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق بشأن تسوية أوضاع المواقع المخالفة التي كانت تستخدم كمساجد».
والسؤال، هل توصية رئيس لجنة تقصي الحقائق محمد شريف بسيوني في تقريره الشهير، كان يصف المساجد كما ذكرت وزارة العدل بـ «المخالفة»؟
عندما عدّد رئيس لجنة تقصي الحقائق محمود شريف بسيوني في كلمته أمام عاهل البلاد في الثالث والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، الملاحظات والخلاصات العامة التي انتهى إليها تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق؛ فقد ذكر في التوصية العامة رقم (11) «تعرضت عدد من دور العبادة للهدم في أعقاب أحداث فبراير/ شباط ومارس/ آذار 2011، وقد قامت اللجنة بتوقيع الكشف على ثلاثين من دور العبادة وتبين أن خمسة منها فقط كانت مستوفية للشروط القانونية والإدارية اللازمة، ولكن ذلك لم يمنع اللجنة من أن تنظر بقدر من القلق إلى توقيت الهدم… فقد كان على حكومة البحرين أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند تحديد توقيت الهدم وأسلوبه لأن عدم مراعاة ذلك تسبب في أن يُنظر إلى حالات الهدم باعتبارها عقاباً جماعياً لأنها طُبِّقت على أبنية شيعية في الأساس، ومن ثم تسببت في زيادة التوتر بين الحكومة والسكان الشيعة».
كما جاء في تقرير اللجنة في الصفحة 417 المبحث الأول – هدم المنشآت الدينية – الفقرة (1335) والمتعلقة بالتوصيات أنه «في 22 مايو/ أيار 2011 أعلن جلالة الملك حمد بن عيسى أنه سيتم بناء دور عبادة جديدة للشيعة». وقد صدر هذا الإعلان بعد فترة وجيزة من تعرض عدد من دور العبادة إلى الهدم من قبل حكومة البحرين.
وأوصت اللجنة في الفقرة (1336) بمتابعة إعلان جلالة الملك بأن حكومة البحرين ستقوم ببناء أماكن العبادة على نفقتها عوضاً عن الأماكن التي تعرضت للهدم بموجب قرارات إدارية. واللجنة ترحب بمعالجة حكومة البحرين لهذه المسألة في أقرب وقت ممكن.
من الواضح أن تقرير تقصي الحقائق، لم يصف المساجد المهدمة بـ «المخالفة»، بل رحب باعتراف السلطة بهدمها للمساجد، وتعهدها بالمعالجة الحقيقية للقضية، من خلال بنائها ما هدم من جديد.
كما أن بسيوني في تقريره لم يذكر أبداً وجود «مواقع مخالفة كانت تستخدم كمساجد»، بل أكد وركز في ملاحظاته وخلاصته العامة على مفردة «دور عبادة» هُدمت، وأشار إلى أن بعضها لم يستوفِ الشروط القانونية والإدارية، ولم يصفها أبداً بـ «المخالفة» أو «مواقع» كما تزعم وزارة العدل والشئون الإسلامية.
بعد أكثر من عامين مازالت عقلية المسئولين في وزارة العدل والشئون الإسلامية كما هي لم تتغير، عقلية «مؤزمة» و «مؤمنة» بأن ما قامت به من هدم مساجد الشيعة صحيح، وخصوصاً أنها تتحدث عن «تسوية أوضاع»، وتوصيات بسيوني تؤكد على إعادة بناء ما هدم بالكامل، دون أي استثناءات، بعد أن وصف هدم المساجد بـ «العقاب الجماعي».