قاسم حسين
يبدو أن وزارة التربية والتعليم، لكثرة ما تواجهه سياساتها وإجراءاتها من انتقادات، انتقلت من طور الدفاع المتهافت عن الذات، إلى الإصابة بوهم التعرض لمؤامرات كبرى.
في السبعينات، لم تكن هناك صحفٌ أو مجلاتٌ تنقل ما يجري من أحداث داخلية، بما فيها مظاهرات الطلبة، ولم تكن هناك فضائيات ولا وسائل تواصل اجتماعي خارقة تتناقل الأخبار على مدار الثانية. لذلك كان من السهل التعتيم على أيّ حدثٍ مهما كان حجمه.
اليوم لم يعد ممكناً التعتيم على أيّ حدث مهما كانت دوافعه، حتى لو كان صغيراً. لذلك فإن افتراض وجود مؤامرة مسبقة وخطة سياسية وأجندات سرية، وراء تظاهر مجموعة من الطلبة احتجاجاً على توقيت الامتحانات، إنّما تنم عن طريقة تفكير بالية، مازالت تعيش في سبعينات القرن الماضي، ولم تسمع بما يُعرف عالمياً بـ «صحافة المواطن»، ولم تدرك بعد ما طرأ من ثورات في مجال وسائل الاتصال الحديثة.
إنه ميدانٌ تتسارع فيه المنجزات حيث تغيّر حياة الناس بصورة جذرية وإلى الأبد، بينما يخرج بعض مسئولي وزارة التربية والتعليم للتشكيك بأداء الصحافة، وقيامها بأداء واجبها المهني في تغطية الأخبار ونقلها إلى القارئ أولاً بأول.
لقد أطاح الانترنت بخدمات البريد، خلال العقدين الماضيين، ومنذ عامين يكاد «التويتر» يطيح بـ «الفيسبوك»، فيما بدأ يزاحمه «الانستغرام» منذ عام واحد. بل إن خدمة بسيطة مثل «الواتس أب» غيّرت من طرق تواصل ملايين البشر، حيث تنتقل المعلومات والأخبار بطريقةٍ تُقاس بالثانية… هذا بينما يستغرب أحد مسئولي الوزارة كيف عرفت صحيفةٌ ما بحدثٍ وقع في إحدى مدارسها، فأرسلت مصوّرها ليلتقط بعض الصور، ليستنتج أنها «مؤامرة كونية» للإطاحة بوزارة التربية والتعليم!
الصحافة الناجحة اليوم، هي التي تواكب هذه التطورات المتسارعة جداً في مجال التواصل الاجتماعي، فتحرص على تزويد قارئها بآخر المستجدات والأخبار. وهذه هي وظيفة الصحافة الأولى، فضلاً عمّا يشكّله ذلك من تحدٍ وجودي للمؤسسات الصحافية في العالم أجمع… وهو ما لا يستوعبه بعض وكلاء الوزارة الذين مازالوا يعيشون في حقبة السبعينات.
ثم إذا كانت الصحافة حضرت لتغطية حدث مبكراً، بعدما التقطت إشاراته الأولى عبر ما يبثه الناس من تغريدات في «تويتر» وسواه، ولم يصل مسئولي الوزارة إلا في نهاية الدوام، فهذه شهادة تقديرٍ لقيام الصحافة بدورها في التغطية الخبرية، ودليلٌ آخر على تخلّف هذه الوزارة عن روح العصر، ومعرفة ما يجري حولها في العالم من أحداث وتطورات. هذا الغياب الأشبه بالغيبوبة، هو ما يجعل هذه الوزارة تتخيّل وجود مؤامراتٍ وانقلاباتٍ تستهدفها في الليل والنهار!
إن الأمر لا يحتاج إلى عبقرية خاصة، لمعرفة أن الصحف تتابع اليوم ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما باتت بعض تغريدات المسئولين والمعارضين على «التويتر» تمثل أخباراً ومواقف سياسية. والأغرب أن يتساءل وكيلٌ: «كيف تعلم الصحف بتلك الوقائع قبل حدوثها»! وإذا كانت الصحافة تهتم بتغطية ما يجري، كما حدث من اعتصام للطلبة وأولياء أمورهم احتجاجاً على نقلهم إلى مدرسة بعيدة، فهذا يُحسب على الوزارة التي لا تقيم وزناً لرأي الجمهور.
إن سياسات الوزارة تتعرض لنقد اجتماعي شديد، من تطييف البعثات والترقيات وتوظيف متطوعين دون مؤهلات، واستقدام مدرسين من الخارج ومنع توظيف الخريجين الجامعيين البحرينيين، وهي تصمّ آذانها عن الانتقادات. وهي الوزارة الوحيدة التي لا تكترث لآراء من تتعامل معهم، إداريين أو معلمين، أو طلبة وأولياء أمور. فاستمعوا مرةً واحدةً لما يقوله عنكم الرأي العام ولا تأخذكم العزة بالإثم، فليس هناك مؤامرات ولا أجندات!