قاسم حسين
منذ سنوات وسياسة وزارة التربية والتعليم تحت المجهر، خصوصاً بعد تسليم مقاليد الوزارة إلى جماعات دينية ذات أجندات حزبية مغلقة.
اليوم، تتفجر مجدّداً قضية البعثات، التي كتبنا عنها عشرات المقالات في الأعوام الأخيرة، خصوصاً بعد تخصيص 40 في المئة من التقييم للمقابلة الشخصية. وهي طريقة ظالمة تماماً، تفسح لهذه الجماعات المتنفذة في الوزارة، في التصرف بالبعثات بالطريقة التي تحلو لها.
المسألة لم تعد قصراً على الجمعيات الحقوقية والطلابية والمعارضة، في انتقاد الطريقة التي تؤدي على حرمان المئات من استحقاقاتهم الدراسية لصالح آخرين أقل تميزاً، وإنما وصل الأمر إلى التلفزيون الرسمي الخاضع جيداً للـ «كونترول»، حيث بثت حلقة تعرّي الجماعات المتحكمة في رقبة وزارة التربية والتعليم. (وصلتني نسخةٌ منه على «اليوتيوب»).
اليوم، يستنكر عدد من خريجي الثانوية العامة المتفوقين نظام توزيع البعثات «غير العادل»، في ظل حرمانهم من الحصول على رغباتهم الأولى، رغم حصولهم على معدلات 95 في المئة، وتحويلهم من الحصول على بعثة إلى منحة دراسية.
ان أسوأ مظلمة يكن أن تتعرض لها أية فئة من المواطنين، هي الحرمان من الدراسة وتضييع جهود سنوات من الجهد والاجتهاد، من خلال هذه المعايير المبتدعة، وغير المقبولة، فلا يمكن أن يترك تحديد مصير طالب متفوق إلى لجنة من ثلاثة أشخاص، يتلاعبون بمستقبله إلى الأبد، مهما كانت المبررات. فمثل هذه الطريقة ستترك آثاراً تخربيبة على حياة مئات الطلبة والطالبات، إذا ما ستمر هذا النهج الحزبي المنحاز، فضلاً عن مخرجات التعليم حين تذهب البعثات لمن هم أقل استحقاقاً أكاديمياً، على حساب الأكثر استحقاقاً أكاديمياً.
إنه أكبر ضربة لمبدأ تكافؤ الفرص، الذي كان نهجاً متبعاً لدرجة كبيرة منذ بداية الاستقلال، ولذلك لم نكن نسمع عن تظلمات ولا تلاعب بالبعثات طوال العقود الماضية، ولم تبرز هذه المشكلة إلا مع هذا التحالف الجديد الذي تم على إثره تمكين القوى الدينية المتشددة مقابل ما تبيعه من خدمات وولاءات.
النائب السابق عبدالجليل خليل، وهو شخص أكاديمي كان له دورٌ كبيرٌ في تشكيل ملف «أملاك الدولة» وقضية الفساد في «ألبا»، قال ان توزيع البعثات هذا العام استمر بنفس آليات العامين السابقين، «رغم مطالبة أولياء الأمور والمختصين بتوزيع البعثات بشكل شفاف، فالوزارة أصرّت على نشر البعثات دون أسماء الطلبة والبعثات التي حصلوا عليها ومعدلاتهم التراكمية». هذا التعتيم المقصود كان للتغطية حتماً على خطأ فادح ترتكبه الوزارة، أو المتنفّذون فيها من أصحاب الأجندات الحزبية.
إن من الظلم البين أن يحرم طالب من دراسة الطب البشري رغم معدله المرتفع (97 بالمئة)، فيما تمنح هذه الفرصة لآخرين أقل منه تفوقاً، فيضطر للدراسة على حسابه الخاص، كما حدث للكثيرين غيره من قبل. وتحرم طالبة أخرى (98.5 بالمئة) من دراسة الطب في البحرين ويفرض عليها دراسة الأشعة في الأردن على خلاف رغبتها. وهي مجرد نماذج من المظالم التي تسجّل بحق تلك الجمعيات «الإسلامية» المتحكمة بوزارة التربية.
في الحلقة الكاريكاتيرية التي بثها تلفزيون البحرين، يتم التهكم من طريقة تعامل القائمين على البعثات، حين يحتج ولي أمر طالبة متفوقة لحرمانها من البعثة رغم تحقيقها 98 في المئة، بقول المسئول إن الجامعة تشترط لدراسة الطب معدل 97 في المئة فقط، لا زيادة ولا نقصان!
لقد فاحت رائحة التمييز والتلاعبات… وبلغ السيل الزبى في قضية البعثات.
نصيحة من أجل الوطن
من باب التناصح ونحن على أبواب مغادرة شهر الرحمة والغفران، ننصح المسئولين النافذين بوزارة التربية والتعليم، من أعضاء الجمعيات الإسلامية التي تنفذ أجندتها الحزبية والفئوية الخاصة، بعيداً عن مبدأ تكافؤ الفرص أو أية معايير عادلة، أسوق هذه القصيدة الرائعة لأبي العتاهية… من باب التذكير، لعل الذكرى تنفع المؤمنين! (وأنصحكم بسماعها على «اليوتيوب» بصوت المنشد محمد الغزاوي):
خانك الطرف الطموح أيها القلب الجموح
لدواعي الخير والشر دنو ونـزوح
هل لمطلوبٍ بذنبٍ توبةٌ منه نصوح
كيف اصلاح قلوب انما هـن قروح
أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح
فاذا المستور منا بين ثوبيه فضوح
كم راينا من عزيز طويت منه الكشوح
صاح منه برحيل صائح الدهر الصدوح
موت بعض الناس في الارض على قوم فتوح
سيصير المرء يوماً جـسداً ما فيه روح
بين عيني كل حيٍّ علَمُ الموت يلوح
كلنا في غفلةٍ والموت يغدو ويروح
لبني الدنيا من الدنيا غبوق وصبوح
رحن في الوشي وأصبحن عليهن المسوح
كل نطاحٍ من الدهرِ له يوما نطوح
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عُمّرت ما عُمّر نوح.