قاسم حسين
في حفل تكريم كوكبةٍ من رجالات التعليم الذي أقامته «الوسط» السبت (15 يونيو/ حزيران الجاري)، خاطب ضيف الشرف وزير التربية والتعليم الأسبق علي فخرو المكرّمين بقوله: «لقد تعاملنا معكم بعدالة، والوظائف العليا كان الوصول إليها وفق المعايير، من شهادات وامتحان ونقاط، ولذلك لم يأتني أحدٌ منكم أو من غيركم ليشكو. فشعب البحرين لا يريد أن يتم التعامل معه بأكثر من مواطن متساوٍ أمام القانون، وهذا التكريم تكريم مجتمعكم لكم».
كان يتحدّث عن العصر الذهبي للتربية، حيث كانت وزارة التربية مصنعاً لصهر الهوية الوطنية، وكنا نجلس معاً على طاولةٍ واحدة، لا يسأل أحدنا عن مذهب أو طائفة زميله، ويشهد الله أن بعض زملائنا لم نعرف انتماءاتهم إلا بعد عشرات السنين.
اليوم، تغوص وزارة التربية والتعليم في مزيدٍ من السياسات التي تعمق المأزق السياسي والاجتماعي في البلاد، وقد شهدنا تورّطها في السنوات السابقة بسياسات تمييز طائفية فاقعة، من التوظيف والترقيات والبعثات وحتى على مستوى النقل من المدارس. وكتبنا في ذلك عشرات المقالات ننتقد فيها تسليم وزارة محورية كالتربية، إلى جماعات دينية إقصائية، تعمل وفق أجندات حزبية مغلقة، تحكمها رؤيةٌ فئويةٌ ضيّقةٌ هي أبعد ما تكون عن المصلحة الوطنية العليا.
مساء السبت، تلقينا تعقيباً من التربية على مقال الزميل هاني الفردان بشأن أسئلة المقابلات الشخصية للبعثات (نشر أمس الأحد)، ولو كنت مستشاراً بالوزارة لنصحتها بمحاسبة من كتب هذا الرد الفارغ الركيك، الذي يدينها أكثر مما يبرئ ساحتها، فضلاً عمّا يحمله من نبرة تهديدٍ ووعيدٍ لمن ينتقد سياساتها التمييزية المفضوحة.
قبل أيام، كتب وزير العمل البحريني السابق مجيد العلوي على «تويتر»، أن اعتماد 40 في المئة من التقييم على المقابلة الشخصية جريمة بحق الوطن، وهو كلامٌ صحيحٌ لا يماري فيه صاحب رأي مستقل. فلن تجد مثل هذه البدعة في أيٍّ من دول الخليج الشقيقة. ومحاولات بعض مسئولي الوزارة تبرير هذه الاجراءات غير القانونية، وهو في الأساس دفاعٌ عن مواقعهم ومناصبهم، إنّما يزيد الوزارة تورطاً في المزيد من الممارسات والسياسات الخاطئة.
كاتب الرد الركيك، ادعى أن تعقيبه هو «لإنارة الرأي العام»، وقدّم نقطتين متهافتتين تماماً، في سياق الدفاع عن هذه السياسة غير المنطقية، فهو يؤكد «أن الأسئلة الموجّهة إلى الطلبة في المقابلات الشخصية هي خمسة أسئلة مقننة وموحدة بالنسبة لجميع اللجان، ولا علاقة لها إطلاقاً بالجوانب الشخصية أو بمواقف الطالب الشخصية أو السياسية». وذلك مخالفٌ تماماً للشهادات الموثّقة للطلبة، (التي سيتم نشرها لاحقاً من عددٍ من الجهات التي توثقها حالياً). كما أن الاعتراف بوجود «خمسة أسئلة» تطرحها اللجنة على طالب ما، إنما يدين الوزارة نفسها، فكيف تحدد مسار دراسة طالب متفوق وتحرمه من رغبته الأولى أو الثانية والثالثة، وتتحكم في مستقبله وحياته إلى الأبد، اعتماداً على خمسة أسئلة؟ أي هراء هذا؟ أين احترام القيم التعليمية والتقاليد الأكاديمية؟ وأين المنطق والعقل واحترام الرأي العام؟
ثم إن هناك جهةً حاضنةً هي أكثر علماً ومعرفةً بتوجهات وميول الطالب من هذه اللجنة المجهولة الهوية، ألا وهي أسرته التي رافقته منذ خطواته الأولى حتى تخرّج، وهي الأعلم بمصلحته وميوله الأكاديمية ورغبته في التخصص الجامعي الذي يريد، وهي الأكثر حرصاً على نصحه وتوجيهه من لجنةٍ طارئةٍ لا تزيد مدة معرفتها به على أكثر من خمسة أسئلة تطرحها خلال خمس دقائق.
إنها جريمةٌ مكتملة الأركان، وبكل المقاييس، ترتكبها وزارة التربية بحقّ الوطن ومستقبل مئات الطلبة المتفوقين.