مريم أبو إدريس
كانت في الخامسة من عمرها حين طلبت من والدها أن يشتري لها سماعة طبيب. لم يحضر لها والدها لعبة عدة الطبيب ككل الأطفال بل سماعة طبيب حقيقية. كبرت الطفلة وبقيت السماعة تنتظر أن تقوم بدورها أخيراً ليس كلعبة بل كأي سماعةٍ أخرى صُنعت لتكون على كتف طبيب.
اليوم تُغتال أمنيات هذه الطفلة بإعلان نتائج البعثات التي اعتمدتها وزارة التربية، محطّمةًً بذلك أحلام العشرات من الطلبة الذين أفنوا سنوات في العمل الجاد المخلص ليخطوا أسماءهم على لوحة المتفوقين.
تفاجأ المواطنون عشية إعلان نتائج البعثات لكون عرض النتائج خاصاً وغير معلن للملأ، وهو الأمر الذي انتهجته الوزارة منذ العام 2011، ما يترك الشكوك تحوم حول النتائج التي خلصت إليها الجهة المعنية بإجراء المقابلات وتحديد نتائج البعثات، إذ من المفترض أن تلتزم الوزارة بمبدأ الشفافية في عرض النتائج لقطع الطريق على المشككين بالتزام الوزارة بالمعايير والحياد أثناء توزيع البعثات وعدم التشكيك في النتائج والهمس واللمز الذي صاحب ذلك من كون الوزارة قد آثرت البعض بالبعثات الأفضل، رغم عدم أحقيتهم وفق معيار المعدل الذي تعتمده الوزارة كمعيار وحيد للتفوق، قبل أن تضيف له المقابلة الشخصية التي أقرتها منذ العام 2011 ودار حولها الكثير من اللغط والتهكم، لعدم وضوح دور وممثلي هذه اللجنة المنوطة بإجراء المقابلات وتوجهاتهم الخاصة في ظل التحزبات والشلليات وسياسات الإقصاء والتهميش التي تغلغلت في مفاصل مؤسسات الدولة منذ تصاعد الأزمة السياسية في فبراير 2011.
نتساءل اليوم بعد جولة سريعة عبر الشبكة العنكبوتية ونحن نتصفح مواقع الحكومات الالكترونية لدول الخليج الشقيقة، لنرى حجم الفارق المهول بين تقديرهم للعلم واحتضانهم للمتفوقين، وبين ما انحدرنا إليه اليوم من اختراع شتى الطرق والأساليب لتحطيم العلم وأهله وتقديم الجهل ومحاباته. خذ عزيزي القارئ على سبيل المثال دولة الكويت، أقل طالب حاصل على بعثة لأميركا معدله 75%، ولدينا يحصل طالبٌ على منحة رغم كون معدله يفوق الـ 97%، أما في قطر يشترط للحصول على البعثة الأميرية ألا يقل المعدل عن 80% فيما لا يشترط معدل محدد للحصول على منحة. لا يمكننا حتى المقارنة بين ما وصلنا إليه من اهتمام بالعلم وبين ما سبقونا هم اليوم إليه، ألسنا دولةً خليجيةً مثلهم، لدينا من الموارد النفطية كما لديهم، تعداد سكاننا أقل بكثير منهم، ورغم ذلك لمواطنيهم أن ينعموا في بحبوحة العيش بينما نمارس الحياة كإحدى الدول الاشتراكية، لدى المواطن فيها ما يكفي ليعيش فقط لا أكثر.
لسان حال الطلبة المتفوقين اليوم يتساءل: أين حقي؟ تحدثنا طويلاً وسنعيدها، سياسة الإقصاء والتهميش وتفضيل مكوّن على آخر لا تخلق وطناً آمناً، بل مرتعاً للأزمات السياسة المزمنة. يكفي وزارة التربية كل ما طال منتسبيها من اعتقالات وفصل وخصم من الرواتب، فلا تزيدوا الأمر سوءاً بتوريط الأجيال القادمة في صراعات اليوم. فالطالب الذي سيتحطم حلمه الآن سيجتهد ليغيّر هذا الأمر غداً، وبهذا يُعاد إنتاج الأزمات بفعل سوء تقدير عواقب الأمور اليوم.
لنكن حكماء فما يحدث، ولا نضع سياسات تعزز التمييز والظلم، وليتخذ الجميع مواقعهم ليكونوا أداة جمع الوطن لا هدم شتاته.