مريم أبو إدريس
يكثر الحديث هذه الأيام عن الحوار بين المعارضة والسلطة، في ظل اختفاء أدلة فعلية لقيامه، فالمعتقلون في السجون، والمواجهات الأمنية مستمرة، الصورة أصبحت مملة ومؤلمة لكثرة تكرارها، لم يحدث يوماً أن كان العنف حلاً لمطالب الناس، التي بدأت محددة ومحدودة وانتهت تعصف بكل شيء ولا يرضيها شيء، فالقسوة التي عايش تفاصيلها الناس منذ مارس/ آذار العام الماضي تجبرهم على عدم القبول بنتائج سطحية إن لم تحمل في طياتها ضمانات راسخة لعدم تكرار ما حدث.
بين صراعات الدولة والمعارضة، أفرزت المواجهات الأمنية منذ مارس 2011 آثارٌ لا يمكن لأي حوار أن يحتويها أو يخفف تبعاتها، لدينا اليوم عدد هائل من المصابين بإصابات متباينة من البسيطة وحتى المميتة، هناك أشخاص بترت أجزاء من أجسادهم، عشرات الفاقدين لأعينهم أصغرهم طفل لم يتجاوز الرابعة، هناك من قضى نحبه مخلفاً قلوباً موجوعة تتألم لفقده، وأرامل وأيتام تتلقفهم يد الحاجة في كثير من الأحيان، مئات المعتقلين السياسيين، ومئات المفصولين الذين لم يعودوا إلى أعمالهم بعد، آلاف الحالات النفسية يشكل الأطفال جزءاً كبيراً منهم، عدد كبير من التجار تقهقرت تجارتهم، عوائل فقدت روابطها بسبب الأزمة الطائفية المفتعلة وخاصة العوائل المختلطة مذهبياً، وتركة ضخمة من انعدام الثقة.
كل هذه الأضرار التي تنمو على ضفاف الإنسانية لا تجد لها متسعاً من أجل إخماد الصوت المرتفع المطالب بتغييرات وإصلاحات كانت تتعلق بالوضع السياسي والمعيشي بالبلد فضُمَّ لها الملف الحقوقي الذي تضخم بشكلٍ مبالغ خلال عامٍ ونصف العام بما لا يمكن معه تجاهل طرحه كأولولية في هذا البلد.
بالنظر إلى واقعية عدم القدرة على الاستمرار بتعقيدات الوضع الراهن يدرك الطرفان السلطة والمعارضة أن التوافق على مخرجات للأزمة يجب ألا يمر فوق أوجاع هؤلاء الضحايا، وألا يتجاوزهم مفترضين أن الزمن كفيل بمداواتهم، فالزمن لن يُنسي الناس الفظائع التي ارتكبت بهم قبل اليوم بمئات السنين ولن يفيد القفز على آلام المواطنين أحداً، فالواقع يثبت أن الناس تتوارث الآلام كما تتوارث أملاكها، ولهذا نحن لا نواجه اليوم انتهاكات وتجاوزات العام 2011 بل ما قبل ذلك بكثير، لذا من المجدي أن يواجه من يرغب بالحوار اليوم كسر قلوب الشعب ومحاولة جبرها بالطريقة التي تضمن ألا تصبح بعد عشر سنوات فتيلاً لثوراتٍ وانتفاضاتٍ أخرى.