قاسم حسين
أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخميس الماضي تقرير «حوكمة المياه في المنطقة العربية: إدارة الندرة وتأمين المستقبل»، من عاصمتنا المنامة.
التقرير دُشّن بحضور المدير التنفيذي للبرنامج هيلين كلارك، بينما حذّر «دليل الإدارة المتكاملة للموارد المائية ودور البرلمانيين في تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية في مملكة البحرين»، مما تواجهه البحرين من نقص خطير في المياه، وتدني نوعية المياه الجوفية المتوافرة.
ندرة المياه أصبحت مشكلةً عالميةً، حيث باتت تهدّد بنشوب صراعات مسلحة بين الدول. وتزداد المشكلة حدةً في عددٍ من البلدان العربية الفقيرة مائياً، وفي مقدمتها البحرين، التي تعاني من تدنّي المعدل السنوي لتساقط الأمطار، وزيادة استنزاف المياه الجوفية. وقد أشارت بعض الجهات الرسمية إلى أن مخزوننا اليومي من المياه لا يغطّي أكثر من يوم ونصف اليوم. والسؤال: من كان وضعه المائي على الحافة، كيف يُقدم على تجنيس عشرات الآلاف من مواطني الدول الأخرى؟ وإذا كان يعرف حقيقة ما تواجهه بلاده من نقص مائي، كيف وضع الخطط لتغيير التركيبة السكانية من أجل تحقيق أهدافٍ سياسيةٍ قصيرة النظر؟
بقية دول الخليج العربية ذات موارد مالية ضخمة تساعدها على سدّ النقص في مواردها المائية عن طريق تقطير مياه البحر (وهي مكلفة اقتصادياً)، وهو ما نفتقر إليه نحن في البحرين.
بقية دول الخليج الأخرى لديها موارد ضخمة من النفط والغاز، تمنحها سعةً وراحةً، ومع ذلك لم تُقدم على ما أقدمنا عليه من تجنيس عشرات الآلاف لأهداف سياسية أو غير سياسية. ولم يتحجّج بعض الكتاب الحكوميين فيها بأن «من تم تجنيسهم من أصحاب الكفاءات، وممن قدّموا خدمات كبرى للبلاد»!
بعض دول الخليج، أخذت تراجع سياساتها في توظيف الأيدي العاملة الأجنبية، خلال العقد الأخير، وأخذت قرارات لتصحيح الأوضاع التي تهدد مستقبلها ومستقبل أجيالها. أما نحن في البحرين فتوسعنا في هذه السياسات، فتخلّينا تدريجياً عن سياسة البحرنة حتى أصبحت العمالة الوطنية في مهب الريح، وتقلّص دورها ومساهمتها إلى أقل من عشرين في المئة، لمصلحة اليد العاملة الأجنبية.
الأخطر من ذلك، أن البحرين التي كانت تتميّز بوجود قاعدة شعبية كثيفة من المواطنين، تفتقر إليها دول خليجية أخرى، تحوّلت في العقد الأخير إلى أقلية، لأول مرة في التاريخ. والسبب سياسات الباب المفتوح دون حدود أمام العمالة الوافدة الأجنبية في مختلف التخصصات، بما فيها تلك المجالات التي تعاني من وفرةٍ في أعداد الخريجين من أبناء الوطن. كانت المعادلة استيراد العمالة الأجنبية على حساب الوطنية، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى.
آخر شواهد هذه السياسة الشوهاء، التي تتعارض مع المصالح الوطنية العليا، ما يجري في وزارة التربية والتعليم، من توظيف مئات المدرسين سنوياً من بلدان أخرى، بينما يوجد آلاف الخريجين البحرينيين عاطلين عن العمل، وفي نفس التخصصات، بعضهم زاد أوان تعطله عن السبع سنوات.
التجنيس عاملٌ أساسيٌ في تدهور الخدمات الصحية التي تقدّمها الدولة اليوم، وهو عاملٌ أساسيٌ في تدهور التعليم النظامي وتراجعه إلى مستوى عقد الستينات، بعد أن عادت الصفوف الدراسية لتمتلئ بأعداد قاربت الأربعين، وكنا في الثمانينات نفخر بوجود أقل من ثلاثين طالباً في الصف.
قصتنا كبلدٍ مع التجنيس، ستكون في المستقبل لغزاً سيستعصي فهمه على الأجيال المقبلة. فليس هناك بحّارٌ في العالم، يغرق السفينة بأكملها، رغبةً في التخلص من بعض الراكبين!