هاني الفردان
فجأةً ومن دون مقدمات، أعلنت جمعية الوفاق في (15 يناير/ كانون الثاني 2014) عن لقاء جمع ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، والأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الشيخ علي سلمان، بحضور مساعده السياسي خليل المرزوق، والقياديين بالجمعية عبدالجليل خليل وجميل كاظم، تم خلاله الحديث عن دعوة أو مبادرة جديدة جادة للحوار.
85 يوماً مرّ على ذلك اللقاء، ولم يحدث أي جديد أو تطور في القضية، سوى بعض البيانات الخجولة، التي تتحدث عن استمرار «اللقاءات» التحضيرية لجدول أعمال الحوار بعد، تسلم مرئيات الأطراف المشاركة للحوار.
وقد رد على ذلك سريعاً رئيس الهيئة المركزية بتجمع الوحدة والقيادي بجمعيات الفاتح عبدالله الحويحي من خلال صحيفة محلية (27 فبراير/ شباط 2014) بنفي وجود أي تواصل مع الديوان الملكي منذ تقديمهم للمرئيات حتى الآن.
الجميع يعلم أن ما يتم الحديث عنه حالياً عن استمرار اللقاءات الثنائية تمهيداً لوضع جدول أعمال الحوار، أمر غير صحيح، ولم يعقد أي لقاء بين أيٍّ من أطراف الحوار، منذ اللقاء الأول والأخير الذي جمع قوى المعارضة الوطنية مع وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة ضمن اللقاءات التي عرفت بـ «الثنائية للتهيئة للحوار» في 21 يناير 2014.
77 يوماً مر على لقاء المعارضة بوزير الديوان الملكي للتهيئة للحوار، ومنذ ذلك اليوم وحتى اليوم، لم يحدث أي لقاء آخر.
الواقع يؤكّد انتهاء مرحلة «الحوار بنسخته الرابعة»، أو ما سميناه من قبل «حوار ولي العهد 2014»، وذلك منذ الثالث من مارس/ آذار 2014 (تفجير الديه) حيث كانت الفرصة السانحة لحرف مسيرة دعوة ولي العهد للحوار والسيطرة عليه من قبل السلطة، وجرّه لساحتها، تمهيداً للقضاء عليه تدريجياً وذلك على غرار نسخ الحوار السابقة.
المشهد التاريخي القريب يبدو أنه يعيد نفسه، فمبادرة «حوار ولي العهد 2011»، التي طرح فيها المبادئ السبعة المعروفة، انتهت مع إعلان حالة السلامة الوطنية بعد يوم واحد فقط من طرحها! أما مبادرة «حوار ولي العهد 2012» التي أعلن عنها في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2011 خلال افتتاحه منتدى حوار المنامة، فانتهت هي الأخرى بعبارة «فهمتموها غلط»، وحُوّرت بعد ذلك إلى حوار آخر وضعت معالمه وقوالبه السلطة، وتسلّم زمامه وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، حتى عُلّق في 8 يناير 2013.
وسيبقى «حوار ولي العهد 2014» معلقاً أو «مجمَّداً» ولن يصدر له رسمياً «شهادة وفاة»، لتبقى فكرة الحوار مستمرة، وأداةً لمخاطبة الرأي العام الدولي بوجوده المستمر، حتى وإن كان دون فعالية.
الحوار الحالي، لقي ذات المصير والنسق والتحولات الجوهرية للحوارات السابقة، إذ بعد فترة زمنية تتحوّل إلى حوارات تُجريها السلطة، وفقاً لإملاءاتها وشروطها، ورغباتها ونواياها. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال تصريحات المتحدث باسم الحكومة سميرة رجب خلال المؤتمرات الصحافية الاعتيادية بعد اجتماعات مجلس الوزراء كل يوم أحد، والتي أكّدت مؤخراً (الأحد 6 أبريل/ نيسان 2014) بقولها: «إننا مازلنا في طور المباحثات الثنائية للوصول إلى جدول أعمال توافقي استناداً على المرئيات التي قُدمت من جميع الأطراف»، وهو ما يؤكّد أن السلطة أحكمت السيطرة على مجريات الحوار، في ظل غياب الآخرين عن الحديث عنه.
احتاجت السلطة يوماً واحداً فقط في 2011، لتدارك مبادرة ولي العهد، بفرض حالة السلامة الوطنية، واحتاجت 45 يوماً لقلب معادلة حوار 2012، من «عليها» لـ «لها»، وبعبارة «فهمتموها غلط»، وها هي الآن تنجح وفي 47 يوماً فقط، من نسف «حوار ولي العهد 2014» عبر استغلال تداعيات «تفجير الديه».
المشهد في «حوار ولي العهد 2014» أصبح واضح المعالم بعد 85 يوماً من الإعلان عنه، في ظل اكتفاء سمو ولي العهد بظهور إعلامي واحد فقط في (15 يناير الماضي) بلقاء بعض أطراف الحوار، وتسليم الأمور لوزير الديوان الملكي، وبعد ذلك لتصريحات أسبوعية للحكومة، تتحدّث فقط عن أن «الحوار مازال في طور المباحثات الثانية» التي لم تحدث إلا مرة واحدة!
للمرة الرابعة تنجح السلطة في إحكام السيطرة على مبادرات الحوار قبل أن تخرج من يدها وتجد نفسها في مأزق جديد لا يمكن الخروج منه، ولذلك حرّكت أدواتها، وفعّلت ضرباتها الاستباقية بوسائل مختلفة، ومنها تنشيط «معارضة المعارضة» وتحريك الشارع الموالي «إعلامياً» بعد أن فشلت في تحريكه ميدانياً.
نعم استطاعت السلطة محاصرة مبادرة الحوار لولي العهد الأخيرة، وتحويرها واحتواءها كما فعلت من قبل في المبادرات السابقة، والتأكيد على أن الحل الأمني هو الخيار المرحلي الدائم على أي حل سياسي.