سوسن دهنيم
لم يكونوا من فئة واحدة أولئك الذين اعتصموا أمام وزارة العمل قبل يومين؛ إذ ضم الاعتصام عمالاً وأطباء ومهندسين وإعلاميين وممرضين ومهنيين وموظفين من مختلف القطاعات. بعضهم جاء مع أطفاله الذين حملوا لافتات تعبّر عن أوضاعهم الإنسانية. فأي ذاكرة هذه التي ستتخلق في وجدان طفل اعتاد أن يرافق والده أو والدته إلى اعتصام المفصولين للمرة الـ16 أمام وزارة العمل خلال عامين، يكبر فيها الطفل كثيراً حين لا يعرف من الهم شيئاً، فكيف به حين يرى همّ والديه أمامه؟ لا يلام أولياء الأمور أبداً على اصطحاب أطفالهم في مثل هذه التجمعات التي يطالب بها المرء بحقه في عودته إلى العمل بعيداً عن السياسة؛ إذ لابد أن يتعلم كيف يدافع عن حقه منذ صغره، وكيف يطالب به بمختلف الطرق المشروعة، ولكن من يلام هنا هو رب العمل الذي لم يلتفت إلى هذا الطفل أو ذاك وهو يمضي رسالة إقالة ولي أمر في عنقه أطفال بحاجة للرعاية التي تتطلب أن يكون راتبه في يده، وتتطلب أن يرى الطفل أباه عائداً من عمله حاملاً معه ما يحتاج وهو مرتاح البال يشعر بأهميته في مجتمعه الذي يخدمه بعرق جبينه.
في اعتصام المفصولين يوم الثلثاء، جاء المفصولون للاعتصام أمام وزارة العمل وفي قلوبهم بعض أمل بأن يقابلهم أي مسئول في وزارة العمل لإطلاعهم على آخر المستجدات بشأن قضيتهم، ولكن ذلك كان مجرد أمل ضاع مع الريح. وما أثار الشجن هو وجود بعض الأطباء المفصولين الذين لم يذنبوا ولم يقترفوا خطأ طبياً يستحق الفصل من العمل، الأطباء الذين وقعت رسائل فصلهم قبل تاريخ النطق بحكم المحكمة عليهم، وكأن الفصل جاء بنية مسبقة ليكمل مشهداً تراجيدياً لا يروق لأبناء الوطن ممن عرفوا قلوب هؤلاء وانسانيتهم، إذ يكفيهم ما عاشوه ويعيشونه كل يوم من مشاهد دموية و «غازية» بطلها قرى البحرين وأبناؤها. مشهد تراجيدي لم يكن ضمن مسرحية أو فيلم سينمائي سينتهي قريباً، وإنما مشهد واقعي لا نعلم إن كان مخرجه سينهيه قريباً أم أن الوضع أعجبه.
ولم يكن الأطباء هم المفصولون الجدد الوحيدون في هذا الاعتصام؛ بل كان هناك بعض العمال والموظفين ممن فصلوا بعد فترة السلامة الوطنية، وبعضهم فصل مؤخراً، جاءوا لينضموا لقائمة المعتصمين أمام الوزارة التي مازالت تصرّح بأن هذه النسبة أو تلك هي نسبة المفصولين الذين عادوا إلى أعمالهم وكأن هؤلاء مجرد أرقام يجب أن نفرح لتقليصها!
ملف المفصولين ليس مجرد نسب وأرقام، هو ملف شائك يرتبط بحالات انسانية عاشت أكثر من عامين في العوز والحاجة بسبب فصل معيليها. حالات تمثل كفاءات تعطلت حتى بات بعضها يخشى نسيان حرفته بسبب طول المدة على الرغم من احتياج الوطن لهم، والدليل على هذه الحاجة اعلانات الوظائف التي تنشرها الجهات ذاتها طلباً في من يحل مكان هؤلاء.
نتمنى أن تتعامل وزارة العمل مع هذه الحالات باعتبارها حالات إنسانية بعيداً عن عالم الأرقام، وتضغط على الجهات الفاصلة بإعادة المفصولين جميعهم، وأن يغلق هذا الملف قبل الدخول في الحوار إن كانت الحكومة جادة في رغبتها في إيجاد حل لأزمة البلاد.