قاسم حسين
بعد الساعة الحادية والنصف بقليل من بعد ظهر الأربعاء الماضي، بدأت الرسائل والتغريدات تنهال عبر «الواتس أب» و»التويتر» عن محاصرة مقر جمعية «الوفاق» في منطقة القفول، الواقعة على الطرف الغربي من العاصمة المنامة.
بعد عشر دقائق تسرّبت شائعات عن اقتحام المقر والسيطرة الكاملة عليه.
كان الوضع غامضاً، وبعد خمسة عشر دقيقة أخرى قيل إنه تم منع محامي الجمعية من الاقتراب إلى المقر، دون إبداء أية أسباب للمنع.
وعندما تقع أحداثٌ غريبةٌ من هذا النوع، فإن الناس تبدأ في التحليل والتفسير، وتنتشر الشائعات من كل صنف ونوع.
بعد ساعةٍ واحدةٍ من الغموض، تبيّن أن السبب هو منع ما سُمّي بـ «متحف الثورة»، وهو عبارة عن معرض فني بالصور ولقطات الفيديو والمجسمات الفنية، لبعض ما سُمّي بـ «انتهاكات حقوق الانسان». كل ما جرى إذاً ظهيرة يوم الأربعاء من استنفار، وشد أعصاب، واقتحام مقر جمعية، وتطويق المنطقة المحيطة به… كان بسبب متحف!
قبل المغرب، كشفت الجهات الرسمية عن السبب، وهو إقامة الوفاق فعاليةً عرضت فيها نماذج هيكلية ومجسمات ولوحات تشكيلية تنسب من خلالها إلى الشرطة انتهاجها الممارسات اللاإنسانية وانتهاك حقوق الانسان بشكل ممنهج.
قبل غروب الشمس كانت وكالات الأنباء قد بدأت في إيراد الخبر: قوات الأمن تقتحم مقر جمعية الوفاق المعارضة في البحرين بسبب معرض فني يحتوي على صورٍ لطرق التعذيب التي يتعرض لها السجناء السياسيون.
في المساء كان خبر اقتحام المقر يأخذ طريقه إلى نشرات الأخبار في عددٍ من الفضائيات العربية والأجنبية. ومن المؤكد أن الخبر لغرابته، سيلفت انتباه محرّري الصحف الأميركية والبريطانية، وخلال الأيام الثلاثة المقبلة، سيكتب بعضهم عنه مقالات وربما افتتاحيات. وربما تنشر عنه تحقيقات صحافية، تستقصي فيها كيف تم مداهمة المقر، ومصادرة «معدات» متحف الثورة، ومن ثم نقلها في سيارات خاصة إلى جهة غير معلومة.
على المستوى المحلي، ستثير «واقعة متحف الثورة» شهية الكثيرين للكتابة عنه، ومن المؤكد أن خمسة عشر مقالاً سيتم نشرها يومياً ضد المتحف! وسيكون لدينا يوم الجمعة المقبل أكثر من مئة مقال، تكفي لإصدار كتابٍ ضخمٍ من خمسمئة صفحة، يسجّل كل الاعتراضات والمؤاخذات والانتقادات والشتائم الموجّهة ضد «متحف الثورة»! والسؤال لما يُسمّى بـ «جمعية الوفاق»: لماذا تنظمين مثل هذا المتحف؟
إنه من غير الجائز إطلاقاً أن تنظّموا معرضاً يحتوي على صور ولقطات فيديو لمشاهد دهس وملاحقة واعتداء سيارات شرطة على المتظاهرين. ومن غير المعقول إقامة غرف تعذيب وأخرى تحقيق، فإن هذه تعتبر مجسّمات، والتجسيم في الإسلام حرام، فضلاً عن أنه مخالفٌ للقانون والدستور والأعراف الدولية. كما أن ذلك يتعارض مع مبادئ وأهداف منظمة «اليونيسكو» و»اليونيسيف»!
إننا لم نشاهد في حياتنا قط، جمعيةً سياسيةً تقيم متحفاً لطرق التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان. ألا تعرفون أن الإنسان معرّضٌ للابتلاءات والامتحانات في هذه الدنيا، وعليه أن يصبر ليدخل الجنة، لا أن يقيم متحفاً لطرق التعذيب فيدخل النار! ألم تسمعوا القول المأثور: «إذا ابتليتم فاستتروا»؟!