سهيلة آل صفر
كنت بصدد كتابة المقال حينما سألني زوجي مستغرباً: هل قرأتِ هذا الخبر؟ وكنت على جهاز الكمبيوتر مستعدةً للشروع في الكتابة. كل ما سمعته هو سحب الجنسيات، فقلت: ما الذي فعله هؤلاء المجنسون حتى يسحبوا منهم الجنسيات؟ فربما سرق بعضهم من برادة أو ضرب أحداً، أو اعتدى أطفاله على أطفال آخرين في المدرسة كما يحدث أحياناً. ولكن زوجي لم يدعني استرسل كثيراً وقال: لا، لم يسحبوها من المجنسين كما تظنين يا الحلمانة! بل من البحرينيين الأصليين وبعضهم كان في البرلمان! ففتحت عينيّ على سعتهما قائلة: ماذا تقول؟ واحد وثلاثون بحرينياً؟ غير معقول! قلتها بعفوية وأنا في غاية الاندهاش والاستياء.
وأعدت السؤال: بحرينيون؟ هل أنت متأكد؟ فبعض الغرباء صدرت منهم الكثير من التجاوزات، وبعضهم تورط في جرائم، ومع ذلك لم نسمع عن سحب جنسياتهم على رغم توقع الكثيرين لذلك الإجراء. شعرت بوجود خلل في الحياة، وهاجمتني الكثير من التساؤلات حول هذا الخلط الغريب وعدم التوازن في فهم هذه الأحكام. فلا يوجد أسوأ من الشعور بالضياع، حينما يجد الإنسان نفسه من دون قاعدةٍ أو مبادئ تشكل خطاً أحمر، وأن عليه أن يتقبل كل يوم شيئاً جديداً، وأن يتلون فيما يكتبه كي يتلاءم مع ما يدور حوله ويتنقل بين أحكام وتحديات جديدة قادمة، ولا تنسجم بالضرورة مع أفكاره ومبادئه! وشعرت أننا بصدد مرحلة صعبة وحرجة للغاية، وبداية لزيادة حدة المواجهة والمشاكل.
ما الذي قام به هؤلاء كي يستحقوا مثل هذا العقاب؟ نسمع عن السجن، ولكن لماذا تميّز هؤلاء وسحبت جنسياتهم؟ هل هم أكثر نشاطاً من الآخرين؟ وبدأت أسأل نفسي وأتخيل: كيف بالإمكان أن يرى الإنسان نفسه من دون وطن أو مواطنة؟ ما هي ردّات فعلهم والآلام التي تتنازعهم؟ وأين سيسيحون بانتماءاتهم؟ وهل يمكن أن تُسحب الانتماءات من البشر بجرة قلم؟ وهل هي فعلاً تستحق هذا العقاب؟ إنه شيء من الأمور المستحيلة التي يصعب تصديقها!
ثم إنهم كيف سيسافرون من دون جواز؟ وماذا سيكون جوابهم إذا سئلوا لماذا تركوا ديرتهم؟ هل سيقولون: نحن مطرودون؟ منبوذون؟ مشاغبون؟ أم أنهم مظلومون؟ وأي نوعٍ من البشر سيتحمل ذلك العبء؟ وماذا عن الكم الرهيب من القلق النفسي بينهم وبين أهاليهم ومحبيهم؟ ألا يهم ذلك أحداً؟ وعلى من وقع عليه الظلم… هل يعتبر خائناً؟ وما هو تفسير الخيانة؟ هل المطالبة بالحقوق والإصرار عليها هي نوعٌ من الخيانة في الدول الديمقراطية؟ وهل توجد وجهة لنفيهم؟ وماذا سيكون مصير أبناء وعوائل هذا العدد الكبير في حياتهم اليومية، من دراسة أو عمل؟ وما هو وضع عائلاتهم في الإقامة؟ هل سيتم نفيهم معهم؟ أم ستترك لهم فرصة الإقامة في بلدهم البحرين؟ وكم مدة صلاحية الإقامة؟ وكيف سيحصلون على قوت أيامهم؟ وهل نعيد تجربة الكويتيين الفاشلة مع الفرق في نوع البدون؟ علماً بأن هؤلاء البدون من أبناء الوطن الأصليين، أم سيصبحون مشرّدين ولاجئين مثل الفلسطينيين يبحثون لهم عن أرضٍ بديلة بعد طردهم من بلادهم؟
لقد نُفي البعض في الحروب العالمية لكونهم جواسيس وخونة، ونفى نابليون لأنه خسر الحرب إلى جزيرة سانت هيلانة مع عشيقته! ولكن هل سيعامل هؤلاء كمن خسروا النضال؟ أم كجواسيس خانوا بلادهم أم ماذا؟ أسئلة كثيرة تبقى من دون إجابة.
وشعرت ولأول مرة أن من حصلوا على الجنسية حديثاً هم أوفر حظاً من المواطنين، وقد نحسدهم على المميزات التي يحصلون عليها من الجانبين في حال سحب جنسياتهم من البلاد التي وفدوا إليها وتنعموا بخيراتها، ويبقى لهم العودة إلى بلادهم ومن حيثُ أتوا وطناً يلجأون إليه في الشدائد!
ولكن أين يذهب المواطنون من مواليد هذه الأرض، ممن لم يعرفوا هم ولا آباؤهم وأجدادهم الذين عاشوا وماتوا في البحرين… وطناً غيره؟ إنها البداية لمأساة شعبٍ ووضع خطير للغاية… تُرى ما الذي سيأتينا به المستقبل بعد من مفاجآت؟