قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أمس الخميس (29 مارس/ آذار 2012): «إن الحكومة البحرينية لم تنفذ أهم التوصيات التي قدمتها اللجنة المستقلة التي بحثت في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت في العام 2011».
وأضافت المنظمة «إن بعض الشكوك التي أعربت عنها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، مثل المحاسبة على جرائم التعذيب، والتعويض للأشخاص الذين سُجنوا ظُلمًا، لم يقع التطرق إليها على نحو كافٍ».
وذكرت أن اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي أنشأها عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وترأسها، الخبير القانوني محمود شريف بسيوني، نشرت النتائج التي توصلت إليها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وفي ذلك التوقيت، وعد جلالة الملك بتنفيذ جميع التوصيات الصادرة عن اللجنة وأنشأ لجنة وطنية لمتابعة التنفيذ، وفي 20 مارس/ آذار 2012، أعلنت هذه اللجنة أن تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق لامست جميع المجالات الحياتية في البحرين.
وقال نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» جو ستورك: «اتخذت مملكة البحرين بعض الخطوات الإيجابية، لكن لا يمكن لحكومة البحرين التحدث عن تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في وقت مازال فيه مئات الأشخاص خلف القضبان بسبب التعبير عن الرأي (…)، ويبدو أنه لم يتم التحقيق مع أي ضباط من أصحاب الرتب العالية في الدور الذي لعبوه في انتشار التعذيب وعمليات القتل غير القانونية».
وأشار إلى إحدى الخطوات الإيجابية التي أوصت بها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، حيث جرّدت الحكومة البحرينية جهاز الأمن الوطني من سلطة اعتقال الأشخاص واحتجازهم.
وذكر أن تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق توصل إلى أن جهاز الأمن الوطني لعب دورًا محوريًّا في اعتقال 2929 شخصًا خلال فترة تطبيق حالة السلامة الوطنية التي دامت عشرة أسابيع، من منتصف مارس/آذار إلى مطلع يونيو/حزيران العام الماضي، وكانت غالبية الاعتقالات تتم في غارات ليلية على المنازل، وقال تقرير لجنة تقصي الحقائق: «إن جهاز الأمن الوطني وقوات الأمن الأخرى قامت بشكل متعمد بتحطيم الأبواب، واقتحام المنازل عنوة وفي بعض الأحيان سلبها واستعملت «إهانات لفظية طائفية»، وعاملت أفراد العائلات بشكل مهين، وروّعت الأطفال، كما قال التقرير إن نمط الاعتقالات «يشير إلى تواجد نمط سلوكي منهجي» صاحبَه «سلوك مثير للرعب» في الأشخاص الذين تم اعتقالهم»، وخلُصت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلى أن عمليات الاعتقال والاحتجاز التي تمت خلال فترة حالة الطوارئ «لم تكن لتحدث من دون علم الرتب العليا في تسلسل القيادة داخل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني». كما قالت اللجنة إن عددًا كبيرًا من مجموع 179 شخصًا ممن تم اعتقالهم على يد جهاز الأمن الوطني زعموا أنهم تعرضوا للتعذيب.
وقال جو ستورك: إن اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق دعت الحكومة إلى التحقيق في مزاعم بتورط قوات الأمن في ممارسة التعذيب «بما في ذلك تلك الموجودة في سلسلة القيادة العسكرية والمدنية». وذكر أن الحكومة شرعت في محاكمة العديد من ضباط الأمن الذين لهم صلة بوقوع حالات وفاة بسبب التعذيب أثناء الاحتجاز وعمليات قتل غير قانونية، لكن «هيومن رايتس ووتش» لا تعلم بأية جهود مبذولة لمحاسبة ضباط أصحاب رتب عالية، وهو ما أسماه تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق بـ «ثقافة الإفلات من العقاب».
وفي موضوع متصل؛ قال تقرير اللجنة الوطنية للمتابعة إن الحكومة أصدرت مدونة سلوك للشرطة تتماشى مع المعايير الدولية، ووضعت برامج تدريب موسعة «لقوات الأمن على الحقوق الأساسية للإنسان»، ونقلت التحقيقات في مزاعم التعذيب من وزارة الداخلية إلى مكتب النائب العام، وأنشأت «وحدة تحقيق خاصة» في مكتب النائب العام للتحقيق مع «المسئولين الحكوميين الذين ارتكبوا أعمالاً مخالفة للقانون وتسببوا بإهمالهم في حالات القتل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين». وجاءت هذه الإجراءات بعد توصية قدمها خمسة محامين دوليين قاموا بتقديم النصح إلى الحكومة حول تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.
وأشارت إلى أن النائب العام في البحرين أعلن أن وحدة التحقيقات سيترأسها «شخص برتبة رئيس نيابة» ويساعده «سبعة نواب عامين»، لكنه لم تتم تسمية أي شخص في هذا المنصب، وفي رسالة تلقتها «هيومن رايتس ووتش»، قال النائب العام: «لا شيء يحول دون اتخاذ تدابير ضد أي مسئول ثبت تورطه في الأحداث، بغض النظر عن وظيفته أو رتبته».
وقالت: «استنادًا إلى النائب العام؛ قامت النيابة، بعد صدور تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، بالتحقيق في دعاوى ضد 50 ضابطًا بشأن مزاعم عن ضلوعهم في 107 قضايا تتعلق بتعذيب وسوء معاملة المدنيين، بما في ذلك عدة حالات وفاة أثناء الاحتجاز وعمليات قتل غير قانونية. واستنادًا إلى تقارير إخبارية، فإن أعلى رتبة ضمن الأشخاص الذين تشملهم المحاكمة هو شرطي برتبة ملازم، أما البقية فغالبيتهم من غير البحرينيين العاملين في رتب صغيرة في وزارة الداخلية». وقالت «هيومن رايتس ووتش»: «إن فشل السلطات إلى الآن في محاكمة المسئولين عن وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن رتبهم، يقوّض التزام البحرين بتحقيق إصلاحات مهمة».
وأوضحت أنه من بين أهم التوصيات الأخرى التي قدمتها اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، والتي لم يتم تنفيذها بعدُ، هي القيام بمراجعة شاملة للأحكام التي طالت أشخاصًا بسبب جرائم التعبير، وإلغاء الإدانات التي صدرت في محاكمات غير عادلة.
وأضافت: «منذ مطلع أبريل/نيسان 2011، أدانت محاكم عسكرية خاصة مئات الأشخاص، وفي غالبية الأحيان استنادًا إلى تهم يبدو أنها تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، من قبيل حرية التعبير والتجمع، (…) وحضور «اجتماعات غير قانونية»، و»التحريض على الكراهية ضد النظام». وعلى رغم أن الملك قام برفع حالة الطوارئ منذ مطلع يونيو/حزيران، فإن المحاكم العسكرية الخاصة واصلت إدانة ومقاضاة الأشخاص إلى أواخر أكتوبر/ تشرين الأول».
وذكرت أنه استنادًا إلى المجلس الأعلى للقضاء، وهو هيئة يرأسها الملك، قامت المحاكم العسكرية بإدانة 502 متهم. واعتمادًا على مراجعة ما توافر من وثائق من المحاكم وتقارير إخبارية، توصلت «هيومن رايتس ووتش» إلى أنه تمت إدانة ما لا يقل عن 204 متهمين على خلفية تهم سياسية واضحة تتعلق بممارسة حرية التعبير والتجمع، وأنه تمت إدانة 116 من هؤلاء بهذه التهم دون سواها.
وقالت إنه تم احتجاز غالبية المتهمين بمعزل عن العالم الخارجي لمدة أسابيع، وأحيانًا أشهر، من دون أن يتمكنوا من الاتصال بمحاميهم أو أفراد عائلاتهم. وفي العديد من الحالات، اعتمد الادعاء والقضاة العسكريون فقط على اعترافات الأشخاص لإدانتهم، وزعم العديد من المتهمين أن الاعترافات انتزعت منهم بالقوة.
وأضافت إن تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق يشير إلى أن «عدم محاسبة المسئولين داخل المنظومة الأمنية قد أدى إلى انتشار ثقافة عدم الثقة». كما أشار التقرير إلى أن المزاعم المتكررة بحصول تعذيب أمر «يشير إلى وجود مشكلة منهجية، لا يمكن حلها إلا بشكل منهجي».
وذكرت المنظمة أن اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق دعت إلى مراجعة جميع الأحكام القضائية التي أصدرتها المحاكم العسكرية الخاصة، التي انتهكت عديد المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وحثت السلطات على «إلغاء الأحكام والعقوبات التي صدرت في حق جميع الأشخاص الذين اتهموا بارتكاب جرائم ذات صلة بالتعبير السياسي ولا تنطوي على الدعوة إلى العنف»، وإسقاط أي اتهامات من هذا النوع.
وذكرت أنه في 12 ديسمبر/ كانون الأول، قال النائب العام علي البوعينين إن الحكومة ستقوم بإسقاط التهم المتعلقة «بالتعبير الذي يكفله الحق في حرية التعبير عن الرأي» في 43 قضية تشمل 334 شخصًا، وفي رسالة وجهها إلى «هيومن رايتس ووتش» بتاريخ 26 مارس/ آذار، قال البوعينين إن 334 شخصًا استفادوا من هذا الإجراء، بينما تمت إدانة 19 آخرين فقط «بتهم تتعلق بممارسة حرية التعبير»، وأنه أطلق سراحهم جميعًا.
وأكدت «هيومن رايتس ووتش» أنها درست بشكل مفصّل سجلات المحكمة المتعلقة بمحاكمة 21 ناشطًا بارزًا، بمن فيهم إبراهيم شريف، وعبدالوهاب حسين، وعبدالهادي الخواجة، وحسن مشيمع، وعبد الجليل السنكيس، وآخرون ممن يبدو أنهم أدينوا فقط بسبب ممارستهم حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات. وقالت: «يبدو واضحًا أن المراجعة لم تشمل الإدانات والأحكام القضائية بالسجن لفترات طويلة، ومنها المؤبد، الصادرة في حقهم». وقال جو ستورك: «يجب على البحرين ألا تتجاهل تلك التوصيات التي تعتبر أساسية للغاية في مواجهة أزمة حقوق الإنسان المتواصلة هناك. ويتعين على السلطات إطلاق سراح جميع الأشخاص المسجونين ظلمًا، ومن دون تأخير، بمن فيهم الأشخاص الذين قادوا المظاهرات، وأن تضمن أن تطول التحقيقات الجنائية في التعذيب وعمليات القتل بشكل غير قانوني أعلى درجات سُلّم القيادة».
الوسط – العدد 3492 – الجمعة 30 مارس 2012م الموافق 08 جمادى الأولى 1433هـ
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.