بيروت ـ هيومن رايتس ووتش
قالت هيومن رايتس ووتش اليوم الأحد إن الشرطة البحرينية تقوم بضرب المعتقلين وتعذيبهم، بما في ذلك القُصر، رغم التعهدات العلنية بالكف عن ممارسة التعذيب وعدم إفلات الشرطة من العقاب.
أجرت هيومن رايتس ووتش، أثناء زيارتها إلى البحرين من 15 إلى 19 أبريل/نيسان 2012، مقابلات مع 14 شابًا، منهم سبعة أطفال، قالوا إن الشرطة اعتدت عليهم بالضرب الشديد عندما اعتقلتهم بسبب مشاركتهم في احتجاجات عامة، وعندما اقتادتهم إلى مركز الشرطة. وتأتي عمليات الضرب المذكورة بعد نشر تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في البحرين في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وما تبعه من تعهدات صادرة عن مسئولين حكوميين، بما في ذلك الملك حمد، بالقضاء على سوء المعاملة والتعذيب. وجرت خمسة من الوقائع المذكورة في شهر أبريل/نيسان.
وبينما يبدو أن المعاملة داخل مراكز الشرطة ومراكز الاعتقال الرسمية تحسنت بشكل ملحوظ بعد نشر تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، فقد اكتشفت هيومن رايتس ووتش أن الشرطة مازالت تعمد إلى ضرب المتظاهرين بشكل منتظم، وأحيانًا بعنف شديد، أثناء اعتقال الأشخاص أو أثناء نقلهم إلى مراكز الشرطة.
وقال نديم حوري، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قامت البحرين بنقل مشكلة التعذيب والعنف من داخل مراكز الشرطة إلى أماكن اعتقال الأشخاص وأثناء نقلهم إلى هذه المراكز. هذا الانتهاك يُخالف إحدى أهم توصيات اللجنة المستقلة ويبرز الحاجة والضرورة القصوى للتحقيق مع المعتدين ومحاكمتهم، مهما علت رتبهم، لوضع حدّ لمثل هذه الممارسات".
واستمعت هيومن رايتس ووتش إلى شهادات متسقة قدمها العديد من الضحايا، تفيد بأن الشرطة كانت تنقل المتظاهرين المعتقلين إلى مراكز اعتقال غير رسمية أو إلى أماكن خارجية منعزلة لفترات تتراوح بين 30 دقيقة وساعتين من الزمن، وتقوم بضرب المعتقلين قبل نقلهم إلى مراكز الشرطة. كما جمعت هيومن رايتس ووتش معلومات دقيقة حول اثنين من هذه المراكز غير الرسمية وهي نزل للشباب في سنابس ومدرسة الفروسية للشرطة، وتُعرف محليًا بالخيالة، قرب مركز شرطة البُديع.
كما التقت هيومن رايتس ووتش شابين يبلغان من العمر 16 سنة، قالا إن شرطة مكافحة الشغب قامت باعتقالهما في 17 أبريل/نيسان في شوارع الدير، قرية شمال شرقي المنامة، واقتادتهما إلى مكان خال غير بعيد من القرية. وأضاف الشابان أن الشرطة قامت هناك بضربهما بشكل عنيف وهددت أحدهما بالاغتصاب إذا لم يقدما معلومات عن المكان الذي يخبئ فيه شباب القرية الزجاجات الحارقة المزعومة. ولما تأكدت الشرطة أن الشابين ليس لديهما أي معلومات، تركتهما في ذلك المكان المهجور. ولما التقت هيومن رايتس ووتش بالشابين في 18 أبريل/نيسان، كانت آثار الإصابات على مستوى الظهر، والأذرع، والوجه متناسبة مع رواياتهم لما حدث لهم.
وفي الوقت الذي حافظت فيه العديد من المظاهرات المناوئة للحكومة على طابعها السلمي، استعمل بعض المتظاهرين الحجارة والزجاجات الحارقة في مواجهة الشرطة. وقال مسئولون وضباط في الشرطة لـ هيومن رايتس ووتش، والعديد منهم تم انتدابه من بلدان أخرى مثل باكستان واليمن وسوريا، إنهم شعروا أنهم محاصرين في أحياء ذات أغلبية شيعية حيث تجري معظم الاحتجاجات. وفي نفس الوقت، أثناء زيارة هيومن رايتس ووتش إلى البحرين، قال نشطاء ومحللون سياسيون بشكل متكرر أن الاستعمال المكثف للقوة من طرف الشرطة لا يؤدي إلى تفريق المتظاهرين، بل يجعلهم أكثر إصرارا على المواجهة.
وقال نديم حوري: "إن العنف الذي يستعمله بعض المتظاهرين أمر غير مبرر، ولكن ذلك لا يبرر لجوء الشرطة إلى ضرب الأشخاص الذين تعتقلهم بشكل وحشي. هذا السلوك غير القانوني من شأنه رفع شعور اليأس بين الشباب ويجعلهم أكثر إصرارا على مواجهة الحكومة".
وقامت هيومن رايتس ووتش في وقت سابق بتوثيق استعمال السلطات البحرينية للتعذيب بشكل متواتر، وخاصة أثناء عمليات الاستجواب وعندما يكون الهدف منها الحصول على اعترافات. كما وثقت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق استعمال التعذيب بشكل روتيني، وقالت إن فشل السلطات في التحقيق مع المسئولين ومعاقبتهم أدى إلى انتشار "ثقافة الإفلات من العقاب" في البلاد.
وفي 17 أبريل/نيسان، تناولت هيومن رايتس ووتش مسألة الوحشية التي تتعامل بها الشرطة وتعذيب الأشخاص أثناء الاعتقال وفي مراكز الاحتجاز غير الرسمية مع رئيس الأمن العام في البحرين، اللواء طارق الحسن، ومستشاريه الدوليين جون ياتس وجون تيموني. وقال جون ياتس وجون تيموني إنهما قاما بزيارة بعض المراكز التي تحدثت عنها هيومن رايتس ووتش ولكنهما لم يعثرا على أي أدلة خلال زياراتهما حول سوء تعذيب المعتقلين هناك. وقال اللواء طارق الحسن لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات الأمنية كانت بصدد دراسة إصدار تعليمات بنقل المتظاهرين المعتقلين بشكل فوري إلى مراكز الشرطة.
كما أكد اللواء طارق الحسن إن أولوية الحكومة تتمثل في تحسين تدريب الشرطة كحل على المدى البعيد لمشكلة سوء المعاملة. ولكن يبدو أن البحرين تحقق تقدمًا سريعًا نحو القضاء على التعذيب في مراكز الشرطة إذ يتم الآن وضع كاميرات فيديو في مراكز الشرطة كما أوصت بذلك اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق. كما أظهرت الشرطة قدرًا من ضبط النفس في مواجهة الاحتجاجات في حضور وسائل إعلام دولية ومراقبي حقوق الإنسان.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن هذه التطورات تدلّ على أنه يمكن للشرطة أن تتصرف بحرفية عندما تتم مراقبتها، وأن مزيدًا من التدريب ليس هو العامل الرئيسي في ما تحقق. ويتعين على قادة البحرين التأكيد على أنهم سوف يحققون مع المسئولين ويعاقبونهم على وقوع انتهاكات أثناء عدم تشغيل كاميرات الفيديو.
وقال الضحايا الذين قدموا شهادات متشابهة عن تعرضهم للضرب لـ هيومن رايتس ووتش إنهم لا يثقون في الشرطة والنيابة ولذلك لم يرفعوا دعاوى ضد أعوان الشرطة الذين اعتدوا عليهم بالضرب. وقال ثلاثة متظاهرين، وقد تعرضوا للضرب الشديد على يد الشرطة في 16 ديسمبر/كانون الأول عندما كانوا يبحثون عن ملجأ فوق أسطح إحدى البنايات في قرية الشاخورة، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا يخشون الاعتقال بسبب عقد "تجمع غير قانوني" إذا رفعوا دعاوى ضد الشرطة. وتم تصوير حادثة الضرب المذكورة وانتشرت على موقع يوتيوب.
طرحت هيومن رايتس ووتش حادث 16 ديسمبر/كانون الأول في الشاخورة مع ضباط من وزارة الداخلية وأعضاء من مكتب النائب العام. وكان الضباط على علم بالقضية وبمقطع الفيديو ولكنهم قالوا إنه لم يُفتح أي تحقيق في الحادثة لأن أيًا من المتظاهرين لم يرفع دعوى ضد ما جرى. وأضافوا أنه تم تعليق عمل بعض ضباط الشرطة بسبب سوء سلوكهم، ولكنهم أوضحوا أنهم لم يعلنوا عن أسماء الأعوان الذين شملهم التعليق ولا عن أسباب ذلك.
وقال نديم حوري: "يتعين على النائب العام في البحرين وقادة قوات الأمن إثبات رغبتهم في مساءلة جميع الضباط، على اختلاف رتبهم، عن مسؤوليتهم في ضرب المتظاهرين وسوء معاملتهم".
تحدث مواجهات ليلية بين الشرطة والمتظاهرين بشكل شبه يومي. وأثناء زيارة هيومن رايتس ووتش إلى البحرين، طالب المتظاهرون بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، بمن فيهم عبد الهادي الخواجة، الذين يقضون عقوبات مطولة بالسجن بعد قيادة الاحتجاجات الواسعة التي طالبت بإصلاح سياسي عميق السنة الماضية. كما ارتفعت حدة التوتر بسبب تعثر تنفيذ أهم توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.
وقامت الشرطة في بعض الأحيان باستعمال القوة لتفريق احتجاجات سلمية بحجة أنها غير مرخص لها. وفي إحدى الحالات التي شاهدتها هيومن رايتس ووتش، في قرية الدراز في ليلة 15 أبريل/نيسان، قامت قوات مكافحة الشغب باستعمال الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل لتفريق واعتقال مشاركين في مسيرة كانوا يرفعون شعارات مناوئة للحكومة ويحاولون الوصول إلى الشارع الرئيسي دون أن يستعملوا العنف. وقال ضابط كان في ذلك المكان لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة استعملت القوة بشكل استباقي، وأضاف أن المتظاهرين كانوا سوف يهاجمونهم إذا لم يبادروا هم بالهجوم.
وفي وقت لاحق من نفس الليلة، شاهدت هيومن رايتس ووتش الشرطة تستعمل الغاز المسيل للدموع لتفريق مجموعة من الأمهات قدمن إلى مركز شرطة البُديع احتجاجًا على اعتقال أبنائهن عقب مظاهرات الدراز.
وقال نديم حوري: "بدلا من استعمال القوة كرد فعل طبيعي، يتعين على الشرطة البحرينية العمل مع قادة المجتمع المحلي لتأسيس قواعد تسمح لأنصار المعارضة بالتظاهر السلمي والعلني، حتى لو كان التظاهر غير مصرح له بشكل قانوني، طالما هم لا يلجأون إلى العنف".
صوت المنامة , 29/04/2012 م