بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أولا : هذا نداء موجّه الى دولة عربية شجاعة أن تأخذ المبادرة، لوحدها أو بالتنسيق مع دول شجاعة أخرى، وتطرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة إستثنائية مشروع قرار يطلب رأيا إستشاريا من محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية وعدم قانونية الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق.
ثانيا : لم تعد مسألة عدم شرعية الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق محل خلاف. فقد إتفق فقهاء القانون الدولي والمسؤولون الأمميون وعلى رأسهم كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وقت الغزو على أن هذا الغزو والإحتلال هو إنتهاك مادي للقانون الدولي وتهديد خطير للسلم والأمن الدولي.
كما إعترفت بعدم شرعيته الغالبية العظمى من دول العالم، بضمنها تلك التي أيدت أو سكتت على الغزو عند وقوعه. أما إذا تحدثنا عن الشعوب فهي قاطبة كانت ضد هذا الغزو الإحتلال غير المشروع.
ولكن هذه الحقائق لا تلغي الحاجة القصوى لقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة وفتوى من محكمة العدل الدولية لتأكيد لا شرعية ولا قانونية هذا الغزو والإحتلال وذلك للأسباب الأتية :
1 – إن المتضرر من الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق ليس شعب العراق وحدة، بل المجتمع الدولي بأسره والعلاقات الدولية المبنية على القانون الدولي. إن سيادة قانون القوة على قوة القانون في العلاقات الدولية يجعل شعوب العالم الثالث، وبالذات الدول العربية، هدفا دائما للغزو والإحتلال والتدمير بدون رادع. ولذا فإن تفعيل الآليات الدولية لردع وقمع العدوان و منع الإستخدام غير المشروع للقوة في العلاقات الدولية هو أولوية قصوى لكل شعوب الأرض.
2 – إن إشراك الجمعية العامة في معالجة موضوع خطير كغزو وإحتلال العراق هو وسيلة فعالة لإعادة التوازن المفقود بين الجمعية العامة ومجلس الأمن بعد أن تجاوز المجلس على كثير من صلاحيات الجمعية العامة وبالذات منها ما يتعلق بالمباديء العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدولي (المادة 11 من الميثاق)، إضافة الى أن ذلك سيعزز من دور الجمعية العامة كرقيب على تنفيذ مجلس الأمن مهماته طبقا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وليس وفق المصالح السياسية لإعضائه الدائمين والتي غالبا ما تتناقض مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. إن تعامل مجلس الأمن مع القضايا الدولية منذ ظهور نظام القطب الواحد عام 1990 أظهر بوضوح أن مجلس الأمن تحول إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية. وفي حالة العراق تحديدا فقد فرض الحصار الشامل على شعبه عام 1990 خرقا لمواد كثيرة من الميثاق مما تسبب في جريمة إبادة جماعية. وعندما حصل الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق تعامل مجلس الأمن مع الغزو والإحتلال كأمر واقع، وأشار في قراره 1483 (2003) الى حصول الإحتلال لكنه لم يوصّفه هل هو عمل مشروع أم غير مشروع، بل أسبغ عليه شيئا من الشرعية عندما سخّر هيئات الأمم المتحدة المعنية لمساعدة المحتل على إدارة العراق.
3 – محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة بموجب المادة (92) من ميثاق الأمم المتحدة، وليس من العدل والإنصاف تغييب دور هذه الأداة القضائية الدولية المسؤولة عن إعطاء الرأي القانوني بالغزو والإحتلال الأمريكي للعراق خاصة وأن هذا الغزو كان بمثابة الزلزال في العلاقات الدولية وشكل ولا يزال يشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدولي وإنطوى على جريمة العدوان والكثير من جرائم الحرب وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية. إن رأيا إستشاريا من محمكة العدل الدولية سيردع المعتدين الحاليين والمحتملين وسيفتح الباب واسعا أمام دعاوى قضائية في دول عديدة ضد من شنوا هذه الحرب غير المشروعة ويجعل الجناة يدفعون ثمن بعض جرائمهم، إضافة الى أنه سيكون الأساس الراسخ لمطالبات العراق المستقبلية بمحاكمة مجرمي الحرب وبالتعويضات عن جميع الأضرار التي سببها هذا الغزو والإحتلال.
4 – إن من الأمور التي تشجّع على طلب رأي محكمة العدل الدولية في هذا التوقيت بالذات هو قيام الحكومة البريطانية بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة السير جون شيلكوت للوقوف على أسباب زجَّ البلاد في غزو وإحتلال غير شرعي بناءً على مجموعة أكاذيب ووثائق ملفقة. إن شهادات المسؤولين البريطانيين من سياسيين وعسكرين في هذه اللجنة كشفت الكثير من الحقائق عن لا شرعية غزو العراق وعن تضليل الحكومة البريطانية للرأي العام وللبرلمان البريطاني.
ومن جانب آخر فإن المحاكم الشعبية التي جرت لبلير وبوش وهيوارد في لندن وبروكسل والقاهرة واسطمبول وكوالالامبور هي دافع إضافي للطلب من المؤسسات القانونية الدولية أداء دورها بموجب ميثاق الأمم المتحدة.
5 – لقد حذرالمدعي العام البريطاني اللورد غولدسميث في رسالته المؤرخة 7/3/2003 الموجهة الى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير من مشاركة بريطانيا في عمل عسكري غير شرعي ضد العراق، وأشار في الفقرة 32 من مذكرته تلك الى ردود الأفعال المتوقعة في حالة إستخدام بريطانيا القوة ضد العراق من دون تخويل واضح من مجلس الأمن، ومن بين الردود التي توقعها هو أن تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيا إستشاريا من محكمة العدل الدولية حول مدى شرعية العمل العسكري. وقال اللورد غولدسميث في مذكرته إن مثل هذا الطلب يحتاج الى الأغلبية البسيطة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة، ولن تستطيع الولايات المتحدة وبريطانيا منعه. كما حذر غولدسميث من أحتمال قيام دولة ثالثة بمقاضاة بريطانيا في محكمة العدل الدولية، رغم أنه أكّد صعوبة هذا الإحتمال.
6 – عندما شرع الكيان الصهيوني في بناء الجدار العازل عام 2002 لم تعارضه دول كثيرة، وعندما قررت الدول العربية تقديم مشروع قرار يطلب الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن لا شرعية هذا الجدار صوتت لصالح مشروع القرار 150 دولة بينما عارضته ست دول فقط تتقدمها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأستراليا. وصدر الرأي الإستشاري لمحكمة العدل الدولية في 9 تموز 2004 يقضي بعدم شرعية الجدار، وكان ذلك إنتصارا قانونيا كبيرا للشعب الفلسطيني وللإنسانية جمعاء، وفتح الباب أمام المطالبة الدولية بإزالة الجدار.
7 – لا يستطيع العراق المحتل اليوم أن يقاضي الغزاة في محكمة العدل الدولية. فالحكومات التي أنشأها الإحتلال في العراق تعتبر الغزو والإحتلال هبة من السماء وتعتبر المحتلّين محررين ورئيس وزرائها الحالي (المالكي) ذهب الى مقبرة أرلنغتون في واشنطن وقرأ الفاتحة على أرواح الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق، ورئيس الوزراء الذي سبقه (الجعفري) أهدى سيف ذو الفقار الى مجرم الحرب رامسفيلد، ورئيس الجمهورية (الطالباني) يتوسل الى الأمريكان أن يبقوا في العراق الى الأبد! إن قيام دولة أو عدة دول عربية شجاعة بتبني هذا المقترح هو بعض من رد الدين لشعب العراق ولممثله الشرعي المقاومة الباسلةالتي هزمت المحتلين وأنهت نظام القطب الواحد وهيأت الظروف لقيام نظام دولي عادل ومنصف.
8 – إن قرارا من الجمعية العامة يتلوه رأي إستشاري من محكمة العدل الدولية بعدم شرعية الغزو والإحتلال الأمريكي للعراق سيقبر بشكل نهائي (مشروع الإصلاح الديمقراطي) الذي تحاول الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية تسويقه الى بلدان آسيا وأفريقيا وبالذات منها الوطن العربي كمشروع لإعادة إنتاج الهيمنة والسيطرة الغربيتين ولتعزيز النظام الإمبريالي الرأسمالي ودعم الكيان الصهيوني كجزء من هذا النظام. إنهم يدّعون أن ديمقراطيتهم هي حصانة ضد الإستبداد والدكتاتورية والحروب العبثية، وها هي ثلاث دول هي الأكثر تفاخرا بديمقراطيتها وحصانة أنظمتها القضائية والتشريعية تعتدي على بلد مسالم وتدمره في هجمة وصفها القاضي الأسباني بالتاسار بإنها (الأكثر خسّة وإنتفاء للمبررات في العصر الحديث)، ووصفها الصحفي الأسترالي جون بلجر بقوله (إنها جريمة القرن الحادي والعشرين بإمتياز).
ثالثا : أدناه مسودة مقترحة لمشروع القرار :
إن الجمعية العامة
إذ تسترشد بمباديء ميثاق الأمم المتحدة
وإنطلاقا من كون أحد أهم مقاصد الأمم المتحدة الأساسية هو أن تصون السلم والأمن الدولي وأن تتخذ التدابير الجماعية الفعالة لمنع أسباب تهديد السلم وإزالتها، ولقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، واحترام مبدأ المساواة في الحقوق وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وإذ تشير الى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3314 في 14/12/1974 الذي عرّف العدوان بإنه إستعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو إستقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة.
وإذ تشير الى رسائل المندوبين الدائمين للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا الموجهة الى الامين العام للأمم المتحدة والى رئيس مجلس الأمن في 20/3/2009 والتي أبلغوا فيها الأمم المتحدة بقرارهم استخدام القوة ضد العراق بدعوى استمرار العراق في الخرق المادي لإلتزاماته بنزع السلاح بموجب القرار 687(1991).
وإذ تشير الى قرار مجلس الأمن 1483 المؤرخ 22/5/2003 الذي إعتبر الولايات المتحدة وبريطانيا كدولتين قائمتين بإحتلال العراق، لكنه عجز عن توصيف هذا الإحتلال :
تقرر وفقا للمادة (96) من ميثاق الأمم المتحدة أن تطلب من محمكمة العدل الدولية، عملا بالمادة (65) من النظام الأساسي للمحكمة أن تصدر على وجه السرعة فتوى بشأن المسألة التالية :
(ما هي الآثار القانونية المترتبة على قيام الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بغزو العراق وإحتلاله، وذلك من حيث قواعد ومباديء القانون الدولي وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة)
رابعا : أدعو أخوتي الكتاب والمثقفين العرب أن يوصلوا هذا المقترح الى مراكز صنع القرار في بلدانهم، وأن يحثوا القوى الشعبية على تشكيل رأي عام يدفع بإتجاه تبنيه.
والله المستعان