د. عادل البياتي
سألني أحدهم منتقداً مقالاتي عن الشأن العراقي، وواصفاً إياها بالسوداوية التي لا ترى إلا السواد.. وتتغافل (عمداً) عن المنجزات الكبيرة المتحققة في العراق الجديد… وبالطبع – وكعادة هؤلاء في خوائهم الفكري والمنطقي- اتهمني بموالاة النظام البائد، ومعاداة التغيير الديمقراطي والعملية السياسية!
قلت له سوف أساقيك، وأتماهى مع طروحاتك بأن العراق الجديد بعد التغيير، أو التحرير –كما تسمونه أنتم – هو ليس عراق صدام، وأن العراق صار ديمقراطياً وأن هناك مجلس نواب وحكومة منتخبة وحرية رأي…إلخ، وذكَّرته كيف أنه أبان غزو العراق، أو ما تسمونه أنتم "تحرير"، وصيرورة المعارك الى ما قيل أنه نصر للغزاة، وقف قائد الحملة الصليبية الجديدة جورج بوش منتفخاً كالطاووس وتعهد للعالم، وللعرب خاصة: "سنجعل من العراق إنموذجاً مشعاً للديمقراطية والحرية!". ولكن.. مالذي حصل؟ وبعد تسعة أعوام تبخرت كل وعود بوش وعهوده، وتحوَّل العراق بفضل الغزاة ومن جاء معهم من سياسيي ومعارضي فنادق الخمس نجوم، إلى إنموذج للدمار والخراب والفساد والتشرذم والتخلف.
قلت له: كنتم تتهمون النظام السابق بأنه هو السبب في هجرة 2 مليوني عراقي مشردين في الخارج، ولكن حينما أطاحت القوات الأميركية المحتلة بالنظام السابق، وتسلمتم الحكم في العراق الجديد، فقد تشرد إلى الخارج أكثر من أربعة ملايين عراقي!.. فما الفرق؟.. أما في الداخل فالعدد أيضا بالملايين لمن هُجّروا قسراً من دورهم للسكن في محافظات أخرى لدواعي العزل الطائفي الذي وقفت منه حكومتكم المنتخبة وقفة سلبية، وكأنها ليست المعنية بأمن الشعب ولا بإعادة المهجرين إلى دورهم، والأدهى من كل ذلك أن وزارة الهجرة والمهجرين تدعي علنا بأنها لاتمتلك إحصاءات دقيقة عن عدد المهجرين!!
قلت له: أميركا تدعي أنها نقلت "الديمقراطية" إلى العراق! ولكن في الحقيقة أنها سلمت السلطة في العراق إلى القرار الإيراني، والكل يعرف أن إيران اليوم هي التي تحدد من يرأس الحكومة في العراق بواسطة الأحزاب الطائفية العراقية الموالية لها، بدليل أن إيران وقفت وما زالت تقف بالضد من كتلة العراقية وأصرّت على حرمانها من تشكيل الحكومة لأنها ذات ميول عروبية وعراقية خالصة ولا ترتهن للقرار الإيراني.
أما البرلمان العراقي الذي تدعي أميركا أنها رسمت "الديمقراطية" من خلاله! فتكتشف كل يوم قضايا فساد إداري ومالي داخله، وآخرها مهزلة تصويت مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة، على شراء 350 سيارة مصفحة للنواب البالغ عددهم 325 نائبا بقيمة 50 مليون دولار أميركي! في وقت يتقاضى النائب ببرلمان العراق الجديد أعلى راتب في العالم (أكثر من رواتب النواب في أميركا وبريطانيا)! فالنائب العراقي يتقاضى راتبا شهريا قدره عشرة ملايين دينار عراقي، أي 8500 دولار أميركي، إلى جانب مخصصات أخرى تشمل تسلمه رواتب ثلاثين حارسا شخصياً وهميّاً! يتقاضى كل واحد منهم حوالي 600 دولار شهريا (أي ما مجموعه 18000 دولار)! في حين أن العدد الصحيح للحراس الشخصيين لا يزيد عن خمسة والباقي يدخل في جيوب نواب الشعب! وهذا الكلام نقلا عن تصريح لمسؤول رفيع في وزارة الداخلية لجريدة «الشرق الأوسط» عدد الثلاثاء الماضي. ترى أليس من الأجدى أن تخصص مثل هذه الأموال لتحسين الخدمات خاصة في هذا الوقت الذي لا تزال أسر عراقية تعيش في العراء، وفي مخيمات للنازحين في غرب بغداد.. وأسر أخرى تعيش الفقر والفاقة، ناهيك عن ملايين المشردين في سوريا والأردن وفي بقية دول العالم.
وأما عن رواتب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فإنها هي الأخرى الأعلى بين جميع دول العالم! فهذه هي الديمقراطية التي تدعي واشنطن أنها رسمتها في العراق.. ديمقراطية الأحزاب الطائفية الموالية لإيران.. وديمقراطية الفساد السياسي والميليشيات المسلحة!
في الأسبوع الماضي طلع علينا الناطق بإسم حكومة المالكي ليعلن أن عدد ضحايا العنف في العراق منذ الحرب ولحد الآن يبلغ 70 ألف ضحية، ويبدو أن الحكومة تستهين بالضحايا، ولذلك تتعمد الكذب في حساب أعدادهم، فالعدد المعلن من حكومة المالكي يتناقض مع اعداد تقديرات اخرى لضحايا العنف في العراق سبق وان قدمتها مصادر حكومية اخرى واجنبية، ففي تقرير نشر في اكتوبر 2009، تحدثت وزارة حقوق الانسان العراقية في تقرير رسمي نشرته عن مقتل 85 الفا و694 شخصا نتيجة اعمال العنف بين عامي 2004 و2008، وبحسب الجيش الاميركي، قتل نحو 77 الف عراقي بين يناير 2004 واغسطس 2008، بينهم نحو 63 الف مدني والباقون من العسكريين، أما التقديرات الاميركية وبحسب تسريبات موقع ويكيليكس عام 2010 ان عدد القتلى منذ بداية الغزو بلغ 109 آلاف، بينما اكدت دراسة علمية نشرتها مجلة "ذي لانسيت" الطبية البريطانية عام 2006 ان الحرب على العراق اسفرت عن مقتل 655 الف عراقي، وهو رقم تخطى سائر باقي التقديرات بل هو الرقم الواقعي والاقرب الى ما تذكره مصادر عراقية مختلفة من ان عدد ضحايا الحرب العدوانية والحرب الطائفية والعنف الداخلي تجاوز المليون ضحية وهذه هي بركات تحرير العراق اميركيا الذي ادى لتسليم العراق هدية الى ايران وعصاباتها التي تتحكم بالعراق اليوم.
وفي الوقت الذي يطفو العراق على بحر من البترول، وبلغت ميزانية العراق لهذا العام 2012 أكثر من مائة مليار دولار وهي الأعلى في تاريخ العراق، مازالت الأوضاع الخدمية والأمنية والمعاشية متردية وتعاني الناس من البطالة والفقر وتردي التعليم والصحة والزراعة وجفاف الأنهر وانتشار الفساد والرشوة والجريمة و..و..، فعن أي عراق جديد تتحدثون؟ وحكومتكم تنتهج اسلوب الاقصاء والتهميش وتلفيق التهم ضد معارضيها ومن لايوالونها وما هي ببعيدة عنا قصة طارق الهاشمي وتلفيق التهم الباطلة ضده بهدف التسقيط السياسي!
بعد كل هذا تريدونني أكون "بيضاوي" النظرة!
2012-03-05
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.