الكتاب يقرأ من عنوانه، وبعض عناوين المنتدى الاقتصادي العالمي (المعروف بمنتدى دافوس)، التي لها دلالات رمزية تشير إلى ما يكمن في الأعماق، هي التالي:
1. يتراوح الاشتراك السنوي لمن يحضرون المنتدى ما بين الثلاثمئة ألف دولار التي تدفعها بعض الشركات العالمية الكبرى والثلاثين ألف دولار التي يدفعها الأفراد. ويقدًّر الدخل السنوي للمنتدى بما يزيد عن ثمانين مليون دولار معفيًّاً من أية ضرائب. وإبُّان الأربعة أيًّام لاجتماعات المنتدى تهبط في مطار مدينة زيورخ السويسرية، القريبة من منتجع دافوس الجبلي، حوالي مائة وخمسين طائرة نفًّاثة خاصًّة من نوع غالف ستريم التي تصل أثمان كل واحدة منها إلى حوالي خمسين مليون دولار. ويلاحظ ازدياد سنوي في عدد الطائرات الخاصُّة الأكبر والأغلى من طراز بوينغ أو الاير باص التي تصل أسعار بعضها إلى ثلاثمئة مليون دولار ويصرف على تحسين رفاهية وفخامة ديكوراتها الداخلية حوالي مائة مليون دولار إضافية. نحن إذن أمام مؤسُّسة يهيمن على روحها أصحاب الغنى الفاحش وخدمهم من كبار الإداريين. وفي هذا العام شكل هؤلاء حوالي سبعين في المئة من مجمل الذين حضروا المنتدى.
2. يقابل هؤلاء الذين يملكون الثروة أولئك الذين يملكون القوة، وعلى الأخص السياسية والأمنية. بين هؤلاء رؤساء دول وحكومات وبرلمانات ومؤسسات دولية وأحزاب. في هذا الحيٍّز تدخل لعبة الأسماء الكبيرة ولعبة السرّيُّة في المقابلات والصًّفقات وتخطٍّي المحرًّمات. مثال بارز على ذلك مقابلة وزير خارجية الكيان الصهيوني شمعون بيريس في عام 1995 لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية الرئيس الراحل ياسر عرفات لمناقشة أوضاع الضفًّة الغربية وغزًّة.
3. يسمح بحضور ممثلين عن وسائل الإعلام العالمية، شرط أن لا لتتناقض توجهاتهم وأفكارهم مع تلك التي يسعى لها المنتدى. وهنا وجه الغرابة. فالمنتدى الذي يدًّعي بأنًّه ساحة لتبادل الآراء المختلفة والمتضادة لأعضائه في الداخل ينأى بنفسه أن يعرض على العالم الخارجي من شتًّى الزوايا والرؤى المختلفة. من هنا تظلٌّ قائمة المدعوين لحضور المنتدى من الصحافيين والكتاب والمفكرين والإعلاميين منتقاة بحذر شديد وحسب معايير صارمة. هذا التناقض يفسًّر انتقاد البعض للمنتدى من أنه يبتعد تدريجياً عن جذوره الأصلية الفكرية ليصبح واجهة لكبار الأسماء من أصحاب الثروة ومالكي القوة. أي أن المنتدى يريد أن تؤخذ تصوراته ورؤاه حول أوضاع المسرح العولمي، في الاقتصاد والمال والسياسية، دون أن يقبل مناقشة تلك التصورات على نطاق العالم وخارج قاعات دافوس. ولكن يظهر أن المطلوب هم أناس من نوع "رجل دافوس" الذي وصفه الكاتب الأمريكي صمويل هنتغتون بالرجل الذي لا ينتمي لوطن ولا يمتلك مشاعر وطنية ويرى في الحكومات الوطنية إرثاً قديماً يجب تخطٍّّّّّّّّّّّّيه. من يعارض ذلك التصُّور يجب أن لا يتخطٌّى عتبات قصر المؤتمرات في دافوس.
وإذن فما هو منتدى دافوس؟
إنه حصيلة المحدٍّدات والعناوين السًّابقة، أي أنه، كما وصفه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ناد لبحث الشؤون المالية والاقتصادية في الدرجة الأولى والتي يظهر أنها تهمٌّ المهيمنين عليه مع إضافات اجتماعية وسياسية من هنا وهناك لتحسين صورته. من هنا وصف بعضهم له بأنه قيادة عولمية أنتجت أفكاراً لا تصبٌّ في مصلحة عمُّال وفقراء العالم، أو وصف بعضهم له بأنه مناسبة لتبادل أرقام التلفونات المحمولة بين من يحضرونه.
إنُ ناد من هذا النوع لن يساهم في حلٍّّّّّّّّّّّّّّّّّّ إشكالية ثلاثة مليارات من البشر الذين يعيشون على أقلٍّ من دولارين في اليوم ولن يوقف أوروبا عن تقديم مساعدة يومية لكل بقرة أوروبية تزيد عن الدولارين ونصف. وهناك من يؤكدون أنه مع تقاعد مؤسٍّس المنتدى في المستقبل القريب ستتقاعد أيضاً حتى كلمات الأحلام التي تدًّعي بأن هكذا منتدى يستطيع المساهمة في حلٍّ إشكالات العالم. منتدى دافوس، حتماً له فوائد كثيرة ولكنها حتماً فوائد خارج إطار ومنهاج نضالات الشعوب من أجل الحرية والعدالة والمساواة. إن فلسفة وثقافة العولمة الرأسمالية المتوحشة التي حكمت مداولات ذلك المنتدى تترنًّح اليوم أمام فضائح أكثر الذين يحضرونه وبالتالي فالحاجة ماسة لدافوس جديدة وبشر دافوس جدد.