حسن المدحوب
في مدى العام الذي عاشته البحرين في الأزمة التي عصفت بها، كانت الجمعيات السياسية تحت مجهر السلطة والناس على حدٍّ سواء، قوى في السلطة كانت تعمل على زيادة الشرخ بين هذه المعارضة والتيار الآخر الذي أريد له أن يعيد التوازن الشعبي للحراك السياسي الذي هيمنت عليه المطالبات المتعلقة بالحريات والديمقراطية، وكان يفترض به أن يعيد التوازن بين مكونات الشعب من خلال تقديم جملة مطالب شعبية لتحقيق ذلك.
هذا الحراك المقابل بدأ بمطلب زيادة الرواتب وتوقف عنده، ولم يقدّم مطلباً سياسياً واحداً تمسك به حتى الساعة غير رفض الحوار والتمسك بمقولة «تطبيق القانون»، رغم انه كان ينتهك القانون في كل مرة يدعو فيها أنصاره قرب جامع للصلاة!
الناس كانوا ينظرون للجمعيات السياسية نظرات شتى، بعضهم بشغف ودعم ومساندة لدعواتها لدعم الحريات والتحول الديمقراطي، وكثيرون توجسوا من تقديم ما يرون أنه قد يكون تنازلات تضر بمستقبل وعدالة قضيتهم التي ناضلوا من أجلها وتحمّلوا في سبيلها كل ما جرى من انتهاكات.
كذلك حاولت جهات مختلفة لدى السلطة جاهدةً العمل على تفتيت الجمعيات السياسية قبل ذلك وبعده، ونتيجة لذلك تباعد جزءٌ من التحالف، وانزوت جمعيتان عنه، واحدةٌ لأن سقف مطالبها الديمقراطية هوى، والأخرى لأنها ترى سقفها أعلى، وها هي اليوم تواجه عقوبة حلّها وأمينها العام في غياهب السجون.
السلطة نجحت في تفتيت الجمعيات مراراً، وقد ساعدتها تلك الجمعيات على ذلك أحياناً، فهي لم تكن تعترض على تجزئة التعامل معها، فرضيت مثلاً أن تدخل حوار التوافق الوطني فرادى، ورضيت أن تقدّم كل على حدة مرئياتها للحل إلى السلطة، ورضيت أن تستمع إلى «وسطاء السلطة» كل واحدةٍ بمفردها، رغم انه كان الأنفع لها أن تقابل السلطة ككيان واحد في كل الأحوال والظروف.
الحديث عن وجود حوارات بين السلطة والمعارضة حديث قديم جديد متكرر متجدد، ويمكن تشبيهه كضوء المصباح الذي يضيء بضغطة زر، لكنه يخفت بضغطة أخرى، وفي كل الأحوال يبقى الزر في مكانه بانتظار الجهة التي ستضغط زره.
اليوم، يدور حديثٌ لا نعلم مآله، عن وجود توجه لحوار جديد بين الوفاق والسلطة، ورغم انه حديث ليس الأول من نوعه، لكنه يعيدنا دائماً للحديث عن ضرورة ألا يكون الحديث مع السلطة حديثاً منفرداً مهما كانت الأسباب والدوافع، بل ينبغي أن يكون حديثاً جامعاً لكافة الأطياف التي تشترك مع الوفاق في دعوتها للديمقراطية وتعزيز الحريات والحفاظ على حقوق الإنسان.
ومن جهةٍ أخرى، نتمنى ألا يكون البحرينيون أرقاماً في سجل التفاوض مع السلطة، يأتي بهم لتعزيز هذا الموقف التفاوضي أو ذاك، بل يعتبرون طرفاً أصيلاً في الحراك السياسي ولهم كلمتهم المسموعة، ولهم أن يعرفوا ولو بالحد المعقول ما يدور وراء الكواليس إن وجد، أو ما لا يدور خلفه.
نعرف انه ليس كل ما يعرف يقال، لكن ثقة الناس في أي جهة كانت تأتي من خلال التصارح والتشارك معهم، لأن الشراكة في القرار هي التي ستعطي لأي تسوية نبض الحياة، ومن ضحّى وتعب وناضل يستحق أن يعرف كيف تدار الأمور والى أين يمكن أن تمضي.
ثقتنا في الجمعيات السياسية جميعاً كبيرة، ونعتقد أن حراكهم السلمي حراك وطني بامتياز من أجل مطالب عادلة، ينتفع بها كل أبناء الوطن بمختلف تلاوينهم وأطيافهم، كما نبدي فخرنا بهذا الوطن وأهله الذين يطمحون لمستقبل أفضل لكل البحرينيين، والذين نعتقد أن من حقهم الاطلاع على قدر أكبر فيما يتعلق بمآل حراكهم ونضالهم السلمي.