سوسن دهنيم
التصريح الأخير الذي أدلى به محامي الطاقم الطبي حميد الملا لـ «الوسط» بشأن سوء معاملة 3 من الطاقم الطبي في المعتقل، يثبت أن قضية الطاقم الطبي لم تنتهِ بعد، على رغم أن القضاء قد قال كلمته الأخيرة في هذه القضية.
ما يتعرض له الأطباء في المعتقل من حرمان من التنقل بحرية، وعدم تمكنهم من الحصول على احتياجاتهم من ملابس وغيرها، إضافة إلى حرمانهم من التحدث بالهاتف مع ذويهم بحرية كبقية المعتقلين، وعدم توفر الماء الدافئ للاستحمام لهم وغيرهم من السجناء، وحرمانهم من الكتب ومن الغذاء المناسب لأوضاعهم الصحية، وعدم توفر العلاج المناسب لهم، كل هذا منافٍ تماماً لمبادئ حقوق السجناء التي أوصى باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في جنيف عام 1955، والتي من أهمها أنه يجب أن يعامل جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنساني الأصلية، والتمتع بجميع الحقوق التي أوصت بها المواثيق الدولية.
كما لا يجوز التذرع بأن الدولة تعترف بها بدرجة أقل، ومن تلك الحقوق: الحق في الاتصال بالعالم الخارجي، وحق المراسلة وزيارة الأسرة، والحق في احترام حقوقه دون تمييز، والحق في احترام المعتقدات الدينية والمبادئ الأخلاقية للفئة التي ينتسب إليها السجين، إضافةً إلى الحرص على مراعاة الظروف المناخية وخصوصاً من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصصة للسجناء، ويجب أن تكون المراحيض كافية لتمكين كل سجين من تلبية احتياجاته الطبيعية وبصورة نظيفة ولائقة، ويجب أن تتوافر منشآت الاستحمام والاغتسال بحيث يكون في مقدور كل سجين المحافظة على النظافة الشخصية، ومن أجل ذلك يجب أن يوفر لهم الماء. كما يجب أن تتوافر في كل سجن خدمات طبية مناسبة بما فيها الطب النفسي، وينبغي أن يتم تنظيم الخدمات الطبية على نحو وثيق الصلة بإدارة الصحة العامة المحلية أو الوطنية.
كل هذه وغيرها حقوقٌ أقرتها الأمم المتحدة في أكثر من وثيقة وقانون وإعلان، بينما صرّح المحامي حميد الملا بعدم توافرها للطاقم الطبي المعتقل قبل أيام قليلة.
وعلى رغم أن القضاء قد برّأهم من تهمة التمييز في العلاج وحيازة الأسلحة واحتلال مجمع السلمانية الطبي، إلا أنه لم يتم تصحيح أوضاعهم، وإعادة الاعتبار إليهم، واستمرت بعض الألسنة في تشويه سمعتهم أمام مرأى ومسمع الجهات الرسمية، التي اعتمدت قوانين للحد من التشهير بالمواطنين على الإنترنت والتي أقرت عقوبات أعلنت عنها في أكثر من موضع ووقت لتهديد من يمس الحياة الشخصية والاجتماعية والاقتصادية لأي مواطن أو تشوه سمعته. لكن هذه القوانين نفذت إذا ما تعلق الأمر بفئة دون غيرها، وما وجود عدد كبير من الحسابات في «تويتر» و «الفيسبوك» والمنتديات ممن يمتهنون التسفيه وانتهاك حقوق المواطنين ممن يختلفون معهم سياسياً، إلا دليل على عدم تطبيق القانون على الجميع.
وينشط أحد الحسابات على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) في إلصاق تهم كاذبة بالطاقم الطبي، مذيلة بصورهم وأسمائهم انتقاماً منهم وتشفياً؛ إذ ينشر في كل مرة صوراً للأطباء من المتهمين في قضية الكادر الطبي وغيرهم، ويسوق لهم تهماً ويحرض على عدم التعامل معهم، ما يشوه سمعتهم لدى من لا يعرفهم ويؤثر على وضعهم الاجتماعي والاقتصادي والمهني.
وإذا ما نظرنا إلى أفراد الطاقم الطبي الذين برأهم القضاء من جميع التهم، لم يعودوا إلى أعمالهم، بينما لاتزال اللجان التأديبية تنتظرهم، فيما المواطن الذي صدّق كل التهم السابقة مازال في تغييبه وغيابه عن الحقيقة.
إن الظلم الذي وقع على الطاقم الطبي لم ينتهِ، ولم يؤثر عليهم كعاملين في هذا القطاع فقط؛ بل تعداه إلى مرضاهم وأهاليهم الذين يعانون الكثير.