منصور الجمري
مظاهرة المعارضة الحاشدة على شارع البديع يوم السبت (15 فبراير/ شباط 2014) امتدَّت على مدى عدة كيلومترات ورفعت العديد من الشعارات، ومن بينها شعار «الديمقراطية هي الحل في البحرين». هذا الشعار يحمل معنىً عامّاً قد لا يختلف عليه الكثيرون، لكنه أيضاً يحتوي على معانٍ عديدة، وربما متناقضة.
في تسعينات القرن الماضي، كان شعار «البرلمان هو الحل» يُرفع في المسيرات في البحرين، ويُكتب على الجدران، وحاليّاً فإنَّ البرلمان أصبح محور الخلاف بدلاً من محور الحل. فالجهات الرسمية (منذ 2002) تصرُّ على أنَّ أي شيء يجب أن يمرر من خلال البرلمان، لكنَّ المعارضة قاطعت البرلمان الحالي في دورته الأولى العام 2002، وانسحبت منه في أوج الأحداث التي اندلعت في البحرين في مطلع 2011، معتبرة أنَّ تشكيلته، من حيث طريقة الانتخاب والتعيين والصلاحيات، تناقض الأسس الديمقراطية المتعارف عليها عالميّاً. لكن ما هو المتعارف عليه عالميّاً؟
«الديمقراطية» كمفهوم عام تشير إلى النِّظام السياسي المستمد شرعيته من انتخابات تعددية وحرَّة ونزيهة (على أساس صوت لكل مواطن) تتنافس فيها أحزاب سياسية تنتظم من خلال توافق أفرادها على مجموعة من المبادئ والمصالح، وأن الانتخابات تنتج عنها سلطة تشريعية ممثلة لإرادة الشعب، وتنتج عنها حكومة تمثل إرادة الشعب بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
لكن هناك مشكلات في ترجمة هذا المفهوم على أرض الواقع في بلداننا. فمن ناحية فإنَّ التكتُّلات السياسية في النظم الديمقراطية الناجحة تعتمد على توافق الأحزاب فيما بينها على جملة من المبادئ والمصالح التي تنضوي تحت هوية وطنيَّة واحدة، بينما في بلداننا فإنَّ التشكيلات السياسية تجتمع على الهوية الطائفية أو القبلية أو الإثنية أو المناطقية، وبالتالي، فإن القضية محسومة إما للغلبة العددية (على أساس الهوية)، أو لمن بيده القوة القاهرة (الجيش والأمن والإمكانات الأخرى). وعليه فإنَّ اللعبة السياسية قد تتجه نحو تغيير الديموغرافيا (التركيبة السكانية)، وتركيز المزيد من القوة القاهرة في جانب من المعادلة السِّياسيَّة… وفي المقابل، ستجد أن المنتمين إلى كل هويَّة تتحصن أكثر من خلال التَّضامن فيما بينها لاستشعار كل واحدة منها الخطر من الأخرى.
الحل الديمقراطي النظري يكمن في تغليب الهوية الوطنية الجامعة على الهويات الفرعية (القبلية والطائفية والإثنية والمناطقية)، لكن من الناحية العملية فإنَّنا بحاجة إلى مقاربات أكثر واقعية، ولربما تكمن بداياتها في إقناع كل هوية فرعية بأن وجودها ليس في خطر محدق… وأن نحوِّل الصراع السياسي من صراع إرادات لإنهاء أو تحجيم وجود الآخر، إلى القبول بوجود الآخر، والقبول بالاختلاف الطبيعي والتعايش معه من خلال معادلة أكثر عدلاً مما نحن فيه.