يعقوب سيادي
لم أكن أنوي الكتابة في هذا الموضوع، إلا أنني وجدت أن كتابات الأخ إبراهيم بوصندل، حول تجاوزات وزارة الإسكان لقوانين استحقاقات المواطنين لإعانة السكن، بمبلغ 150 ديناراً شهرياً باستحقاق يبدأ من بعد مضي خمس سنوات على طلب أي مواطن في ملفات الإسكان. تلك الكتابات التي جاءت بحاجة لأن نكملها بما لدينا، فلم يكفِ الوزارة الخلط ما بين تاريخ الاستحقاق الذي يأخذ صفته القانونية وصفة حقوقيته المواطنية، بتاريخ قبول طلب المواطن لدى الوزارة، بل تعاون معها النواب «إللي خِبُركُم»، ليَسِنّوا التشريع الذي يؤجل هذا الاستحقاق للمواطن إلى ما بعد خمس سنوات. وباختصار على المواطن أن يسكن العراء، أو أن يعاني الأمرّين خمس سنوات عجاف، لتتكرّم عليه بعدها الدولة بعلاوة السكن 150 ديناراً.
هذا التأجيل طويل المدى لمنح المواطن حقه، الذي يتأتى له حال طلبه للسكن، هو مثلب حقوقي وقانوني يحتسب على مجلس النواب حين وافق على إصدار التشريع بموضوعه، والذي نعتقده أن القانون أو الرغبة، وشتان ما بينهما كأدوات تشريعية، يحمل شيئاً من الضيم تجاه تلبية حاجات المواطنين المنصوص على وجوب تلبيتها من قبل الدولة في الدستور. (المادة 9 البند و: «تعمل الدولة على توفير السكن لذوي الدخل المحدود من المواطنين»).
فهل يدل مثل هذا التأجيل في أصله، ثم المماطلة في منحه بعد استحقاقه، على عجز إكتواري إسكاني، يضاف إلى العجز الإكتواري لدى هيئة التأمينات الاجتماعية، لتتجمع هذه العجوزات الإكتوارية في عجز مالي حكومي؟ خصوصاً أن هيئة التأمينات الاجتماعية، هي الأخرى تماطل في صرف المستحقات المترتبة في ذمتها للمواطنين حسب نصوص القانون، سواءً المعاشات التقاعدية، أو ما يترتب من أرصدة نقدية مهما صغرت مبالغها أو كبرت، للمواطنين مستحقي تعويض الدفعة الواحدة؟
ففي أوائل 2013، قصد مواطن التأمينات الاجتماعية من خلال أحد خبراء الهيئة المختصين، الذي أفاده بالنصيحة مشكوراً، بأن يشترى مدة افتراضية معينة، ويواصل في دفع أقساط التأمين من خلال التأمين الاختياري على نفسه كربّ عمل، لكي يستحق بحلول الأول من يناير 2014، الحد الأدني للمعاش التقاعدي، هذا التاريخ حدّده الخبير المختص باحتساب اكتمال سنّ الستين بدءًا من تاريخ الميلاد حسب البطاقة الذكية وهو الأول من يناير 1954.
بعدها بثلاث شهور، راجع صاحبنا الهيئة من خلال خبير مختص آخر، للقيام بما نصحه به الخبير المختص الأول الذي كان في إجازة، فكان جوابه مختلفاً، بأن ما أفاد به زميله، ليس صحيحاً ولا يجوز قانوناً، كما أفاده بالخلاصة أن أمامه خيار واحد لا غير، هو الانتظار إلى الأول من يناير 2014 تاريخ إتمامه سن الستين، لاستلام ما ترصد له لدى الهيئة، إلى هنا والأمر مقبول عقلاً وقانوناً.
إلا إنه في تاريخ 2 يناير 2014، كما الوعد الرسمي، وبناء على بلوغه كما نص القانون تمام سن الستين، قصد الهيئة، لتبدأ القصة ذات الصلة بالشك في إصابة الدولة بالعجز المالي، فالبدء عند «كاونتر» الموظفين حسب التسلسل الرقمي، ثم بعده بأيام عند الخبير المختص بسب إجازته، وذلك حين تقديم البطاقة الذكية وهي المستند الرسمي المعتمد فيه تاريخ الميلاد، والذي كان لا غبار على اعتماده في المراجعات السابقة، إلا أنه بحلول تاريخ الاستحقاق، أعلن الخبير المختص، مثله مثل موظفة «الكونتر» بأنه حسب نظام الهيئة فإن عمر المواطن 59 عاماً، من حيث أن تاريخ الميلاد الأول من يناير 1954، وبالنقاش حول المستند الرسمي لتاريخ الميلاد من بطاقة ذكية وجواز سفر، وإجراء عمليات الحساب على أصابع اليد والآلة الحاسبة والحاسوب، وحسابها بالأيام والأسابيع والشهور والسنوات، والتحويل من إحداها للأخرى، والتي أعطت النتيجة الحسابية نفسها بأن عمر المواطن هو 60 عاماً كاملة الأيام، 365 يوماً عن كل سنة، مضافاً إليها خمسة أيام، إلا أن الخبير أفتى بأن الهيئة حسب نظامها تعتمد 31 ديسمبر من سنة الميلاد المذكورة في البطاقة وفي سجلاتها، لكل مواليد 1 يناير من ذات السنة، وذلك بالخصوص دون الأيام الـ 363 أو 364 الأخرى من أي سنة لتواريخ ميلاد المواطنين. بمعنى أن جميع المواطنين الذين تحمل بطاقاتهم الذكية تواريخ الميلاد، الأول من يناير لأي سنة كانت، لا تعتد الهيئة بذاك المستند الرسمي الصادر عن جهة رسمية أخرى للدولة، هي الجهاز المركزي للمعلومات، وتبدله لغرض تأجيل استحقاق المواطن معاشه التقاعدي أو تعويض الدفعة الواحدة، حسب قانون إنشائها، إلى ما بعد عام، أي إثنى عشر شهراً.
وبنقاش الموضوع مع الخبير المختص، بأن المرسوم بقانون رقم 24 لسنة 1976 بإصدار قانون التأمين الاجتماعي، ينصّ في الفصل الرابع في استحقاق تعويض الدفعة الواحدة المادة 38: «إذا انتهت خدمة المؤمن عليه ولم تتوافر فيه شروط استحقاق المعاش، استحق تعويض الدفعة الواحدة ويصرف التعويض في الحالات الآتية: 1- بلوغ المؤمن عليه سن الستين أو أكثر من عمره. 2- بلوغ المؤمن عليها سن الخامسة والخمسين أو أكثر من عمرها…إلخ». ولم يستثنِ القانون أولئك الذين لم توفر لهم مرحلة التطور الصحي والإحصائي لسنوات ميلادهم في البحرين شهادات ميلاد، فتم اعتماد اليوم الأول من الشهر الأول لسنة الميلاد تاريخاً رسمياً لميلادهم، تعتمده جميع سلطات الدولة لجميع الاستحقاقات المدنية والقانونية والسياسية، للفصل مثلاً ما بين سن الحدث وسن بلوغ الأهلية القانونية، وكذلك السن اللازم بلوغها لممارسة المواطن حقوقه المدنية الأخرى والسياسية، ونتيجة لهذا النقاش، فقد غلب العقل والمنطق عند الخبير العاجز عن تبرير القرار، فأفاد بأنه لابد أن هناك قانوناً أو قراراً يحكم مثل هذه الحالات، وأرشد المواطن إلى الشئون القانونية، لأنها المختصة بالقوانين والقرارات، وسهل عليها موافاته بمستخرج عن المستند الرسمي المعتمد، إلا أن مسئولة الشئون القانونية أفادت بضرورة مراجعة المدير التنفيذي للهيئة. نقطة آخر السطر! إذ أن التسلسل الهرمي لمسئولي الدولة من بعد المدير التنفيذي كان سيدخله في دهاليز الوزراء ورئيس الحكومة… إلخ، والنتيجة معروفة لديه على حد قوله، فلجأ للصحافة، لعل مدير الهيئة التنفيذي يأمر بدفع مستحقات جميع المواطنين مواليد الأول من يناير باحتسابه يوم ميلادهم كما هو المستند الرسمي الصادر من الدولة، أو أن يبرز له مستخرج مستند رسمي يتماشى مع القانون والدستور، يعطي الحق للهيئة أو أي جهة رسمية أو غير رسمية، أن ترفض الاعتداد بالمستندات الرسمية التي تصدرها الدولة، وإلا فإنها حقاً مؤشر لغياب النظام المؤسسي للدولة، أو مؤشر شك في سوء إدارة أموال المواطنين المشتركين في نظام التأمينات، بما يعجز الهيئة عن سداد مستحقاتهم في تواريخ استحقاقاتها، أو ربما لعدم توافر السيولة النقدية اللازمة في حسابات الهيئة، التي تضاف إليها ذات الحال في وزارة الإسكان، ولربما هيئات ووزارات أخرى، بما يطال حق التساؤل المشروع حول مدى ضعف وضع الدولة المالي.
مشكلة هذا المواطن بهذا التوصيف ليس هو الوحيد، لكي نسرح في تخمينات العوائق على خلاف ما ذَكَر، فهناك عدد من المواطنين أفدوا بذات الإشكال، ولدينا حالات أخرى أيضاً لمواطنين تواريخ ميلادهم في البطاقة والجواز في أيام وأشهر غيرها الأول من يناير، على خلاف سجلات هيئة التأمينات، إلا أن نظامها غير المعترِف بالقوانين وبالمستندات الرسمية، يجعل هيئة التأمينات ترفض تعديل تواريخ ميلادهم لديها بما تثبته المستندات الرسمية.