هاني الفردان
استكمالاً لمقالي السابق بعنوان «هل الدولة قادرة على الرد؟» والمتعلق بموقف السلطة من قيام أعضاء في جمعية سياسية سلفية بنقل أموال لدعم الجيش الحر السوري ومدى قانونيته، وعلاقته بـتمويل الإرهاب» و«غسيل الأموال».
فقد ختمت مقالي السابق بتذكير السلطة أن ما حدث من تصدير أموال من قبل أعضاء في جمعية سياسية لدعم جماعة مسلحة، تشوبها شبهة «تبييض أموال»، كما تحدثت عن تقييم صندوق النقد الدولي العام 2005، والذي هدد بإدراج اسم البحرين ضمن قائمة الدول غير المتعاونة والتي تشكل مخاطر على المجتمع الدولي، وأشرنا أيضاً إلى أن قانون الجمعيات السياسية يحظر على الجمعيات السياسية أو أيٍّ من أعضاء مجالس إدارتها التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى.
فرغم نفي الجمعية علاقتها بالتبرع، إلا أنها أكدت أن أعضاءها قاموا بنقل التبرعات، ومن بينهم رئيس جمعيتها؛ ما يعد مخالفة صريحة لقانون الجمعيات السياسية التي قالت الأصالة إنها لم تخالفه. فهل رئيس الجمعية ليس عضواً في مجلس إدارتها مثلاً، وهل الدعم المالي للجماعات المسلحة، لا تعده الدولة تدخلاً في الشئون الداخلية؟
ولكي نقف على حقيقة ما جرى، ومدى المخالفة القانونية التي ارتكبت من قبل أعضاء في الجمعية السياسية، وأعضاء في السلطة التشريعية، في ظل صمت رسمي واضح، سنستشهد بنصوص قانون «حظر ومكافحة غسيل الأموال».
ينص قانون رقم (54) لسنة 2006 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2001 بشأن حظر ومكافحة غسل الأموال، على أن يعيِّن وزير الداخلية وحدة مكافحة غسل الأموال ويكون من بين اختصاصها، اتخاذ إجراءات التحري وجمع الاستدلالات في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والنقل غير المشروع للأموال عبر الحدود (مع ألف خط تحت النقل غير المشروع للأموال) والجرائم المرتبطة بها.
فإذا سلمنا بحسب التصريحات الرسمية لوزارة الخارجية والتي أكدت أن «دخول عدد من أعضاء مجلس النواب في البحرين إلى الأراضي السورية جاء دون علم أو تنسيق مسبق مع وزارة الخارجية أو التقدم بطلب إذن أو إخطار للقيام بتلك الزيارة» ونفي وزارة التنمية الاجتماعية علمها بالتبرعات، وبالتالي فإن ما حدث من نقل أموال لدعم مجهود حربي ونشاط مسلح في دولة عربية لم يكن بعلم السلطة، وهو الأمر الذي يستوجب التحقيق فيه وفقاً لنص القانون كون ما حدث هو «نقل غير مشروع للأموال».
المشرع البحريني عرَّف «النقل غير المشروع للأموال عبر الحدود» بـ : «فعل إجرامي يرتكبه أي شخص طبيعي أو اعتباري بأية وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، بنقل الأموال عبر الحدود الدولية، إذا لم يفصح عنها بالمخالفة لنظام الإفصاح أو كان النقل بغرض غسل الأموال أو تمويل الإرهاب».
ومن خلال التعريف السابق الذي أورده قانون «حظر ومكافحة غسل الأموال»، فإن ما قام به أعضاء في الجمعية السياسية السلفية من نقل أموال، أولاً: كان عبر الحدود الدولية، ثانياً: بطريقة مباشرة، ثالثاً: لم يُفصح عنه (الحكومة لا تعلم عنه شيئاً)، رابعاً: كان لتمويل جماعة مسلحة، خامساً: كان عبر التسلل وبطرق غير مشروعة من ممثلين للسلطة التشريعية ويحملون الصفة الدبلوماسية.
بالعودة لقانون «حظر ومكافحة غسل الأموال» والذي صادقت عليه كتلة الجمعية السياسية في مجلس النواب، فإن القانون يعاقب بالسجن المؤبد أو السجن الذي لا يقل عن عشر سنوات وبالغرامة التي لا تقل عن مئة ألف دينار ولا تتجاوز خمسمئة ألف دينار، كل من: جمع (حدث جمع لتبرعات من المواطنين بطريقة غير شرعية) أو أعطى (تم التبرع بأموال المواطنين تحت بند «من جهز غازياً فقط غزى») أو خصص أملاكاً أو أموالاً أو عائداتها لجمعية أو جماعة أو منظمة أو هيئة أو عصابة تمارس نشاطاً إرهابياً، يكون مقرها داخل البلاد أو خارجها، أو لأحد المنتمين إليها، أو قام لمصلحتها بأية عملية، أو قدم لها دعماً أو تمويلاً بأية وسيلة، وكان يعلم بممارستها لنشاط إرهابي.
قد يختلط على البعض مفهوم الإرهاب، وقد يقول البعض أن «الجيش الحر السوري» لا يقوم بعمل إرهابي، إلا أن المشرع البحريني، في قانون «حظر ومكافحة غسل الأموال» عرَّف الإرهاب بشكل واضح، وقال إنه «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أعراضهم أو حريتهم أو أمنهم أو حقوقهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو المرافق الدولية للخطر، أو تهديد الاستقرار أو السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدول المستقلة (…)».
من الواضح من التعريف أن البحرين تقر بأن أي عمل يهدد الاستقرار أو السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدول المستقلة هو «إرهاب».
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل استغل أعضاء مجلس النواب صفتهم الدبلوماسية في تهريب الأموال إلى الخارج؟ إذ نصَّ قانون «حظر ومكافحة غسل الأموال» على أن «يجوز لوزير المالية أن يحدد بقرار منه الحد الأقصى للأموال التي يسمح بإدخالها إلى الدولة أو بإخراجها منها دون الحاجة إلى الإفصاح عنها، ويخضع ما زاد عن الحد الأقصى في حالة صدور قرار بتحديده إلى نظام الإفصاح».
وكلنا يعلم، بأن الدولة لا تعلم عن جمع التبرعات ولا نقل الأموال للجيش الحر (على حد قولها)، ولا عن الحقيبة المملوءة بالأموال التي خرجت معهم، فكيف خرجت الأموال المُتبرع بها من داخل البحرين لخارجها؟
هل الدولة قادرة على الرد؟ لا أعتقد.