د جعفر الصائغ
يبدو أن دول العالم ارتضت بأن تكون تجارة الأسلحة هي أسس التنمية الاقتصادية وهي الركيزة التي تعتمد عليها الحضارة الإنسانية. فكلما نمت وتوسعت هذه التجارة اقترب الإنسان إلى الكمالية والبقاء في أمن وسلام.
هذه النظرية، وعلى الرغم من تطور العلم والمعرفة والتكنولوجية ووصول الإنسان إلى الفضاء وكواكبه، فإنها تتجدد عبر التاريخ وتبقى راسخة في العقل البشري. فهي تؤمن بأن نمو واستقرار البشرية وازدهارها لا بد وأن يمر عبر صناعة وتجارة السلاح من سيوف وخناجر وصواريخ وطائرات عسكرية وراجمات وبنادق وغيرها، وليس عبر تجارة السلع التقليدية كالاغذية وأجهزت الحاسوب وتكنولوجية المعلومات والاتصالات التي هي حسب هذه النظرية نتيجة حتمية لتوسع تجارة المدافع. بهذه العقيدة تحن الإنسانية من دون أن تدري إلى عصور الظلام والجهل والتخلف والخرافات والتعصب والهوس الديني والحروب والصراعات. زمن انحدر فيه مستوى العلم والثقافة والتفكير المنطقي. زمن كان البقاء فيه للأقوى والأكثر تسلحاً وليس الأكثر علماً ومعرفة. تجار السلاح هم أصحاب القرار والسيادة وهم الملوك بلا منازع.
تشير الدراسات والأرقام بأن إنتاج السلاح على مستوى العالم يمضي على وتيرة مرتفعة وضمن خطط ورؤى استراتيجية ومشاريع مستقبلية عملاقة. فحسب تقارير لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام رفعت 100 من أكبر الشركات المنتجة للسلاح في العام الماضي من حجم انتاجها ومبيعاتها مجددا. فحجم صفقات السلاح تجاوزت 500 مليار دولار. وبالمقارنة مع مبيعات عام 2002 تكون معدلات مبيعات السلاح عالميا قد ارتفعت بـ 47 في المائة. أصبحت هذه التجارة تمثل ثلث التجارة العالمية وهي في ارتفاع مستمر.
كما تكشف لنا التقارير بأن ارتفاع مبيعات السلاح يعود بالأساس إلى خمس شركات أمريكية كبرى التي تستحوذ على 35 في المائة من حجم مبيعات شركات السلاح الـ 100 الأكبر في العالم.
تجار السلاح اليوم يعيشون أفضل أيامهم منافسة شرسة لبيع منتجاتهم والطلب في ارتفاع بمعدلات عالية، والدول المتقدمة الأكثر ازدهارا وإسقراراً هي المهيمنة على هذه التجارة فهم من يبدعون في اكتشاف الأسلحة الأكثر فتكاً ودماراً للبشرية وهم من يصدرون هذه الأسلحة إلى دول العالم. فحسب وثيقة أمريكية نشرها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام بعنوان "منافسة حكومية استراتيجية". فإن الحكومة الأمريكية تقر بأنها تواجه منافسة حادة من روسيا والصين. وأن الحكومة الأمريكية تتمسك بالتزامها المعلن في2017 بالرفع من برنامجها التسلحي العسكري، وأن بعض شركات إنتاج السلاح ولغرض رفع قدراتها التنافسية وزيادة انتاجها اندمجت فيما بينها في 2017، ما أدى إلى ارتفاع حجم المبيعات. وطبقاً للاحصاءات الدولية فإن أكبر عشرة مصدرين للأسلحة التقليدية في العالم هم
الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وأسبانيا وإيطاليا وأوكرانيا وإسرائيل. وكلها دول تدعي الحضارة والتقدم والتطور ومحاربة العنف والتطرف والإرهاب. دول أخذت من تجارة السلاح مصدراً للنمو والازدهار . والأخطر من ذلك هو أن الدول الفقيرة والجماعات المسلحة أكثرها طلباً على شراء السلاح، وعلى الرغم من معاناتها للفقر المدقع وتخلفها اقتصادياً إلا أنها تخصص أموالاً هائلة من ثرواتها لشراء السلاح.
عالمنا وبقيادة واصرار الدول الصناعية ينحدر الى المجهول تكون فيه البندقية مصدراً للتخلف والانحدار في مجتمع يؤمن بالعنف والدمار وبعيدا عن السلام. فهل اقتربنا مرة أخرى من عصر الجهل والظلام؟.