عيسى سيار
يتندر ويسخر أهل البحرين أحياناً عندما يسمعون شيئاً أو يقرأون عن أمر ما ولا يرونه مجسداً على أرض الواقع، فيقول أحدهم إنه «مثل بيض الصعو» وهذا هو واقع الحال بالنسبة للحوار المرتقب بين الفرقاء السياسيين حيث أصبح مثاراً للسخرية! «والصعوه» هو طير محلي مهدد بالانقراض ويصعب مشاهدة بيض هذا الطائر، حيث أصبح هذا الطير النادر وبعد القطع الجائر للنخيل والبساتين وطغيان الدفان الجائر أصبح لا يشاهد في أجواء البحرين.
إن هذا المثل الشعبي، يجسد واقع الحال بالنسبة للحوار الوطني الذي يرتقبه الشعب البحريني ببالغ الشغف لكي ينتشل البلد من الأزمة التي يعيشها والذي مضى عليها ما يقارب من السنة والنصف! إن الشعب البحريني قاب قوسين أو أدنى من فقدان الثقة في الفرقاء السياسيين وهم «النظام السياسي والمعارضة والتيار السياسي السني» لأنهم يرون البحرين تحترق… البحرين تعيش انقساماً مذهبياً… البحرين تعيش جموداً سياسياً… البحرين تعيش تراجعاً اقتصادياً وهم لا يحركون ساكناً وكل طرف جالس في برجه العاجي ويريد من الطرف الآخر أن يحضر له سُلّماً لكي ينزل من برجه العاجي، وأخذ الشعب البحريني يتساءل هل أصبحنا لعبة في يد الفرقاء السياسيين؟ هل أصبحنا مطية في أيديهم؟ هل أوضاعنا المعيشة المتردّية لا تهمّهم؟ وهل وهل…
إن الحوار الوطني المرتقب أيها الفرقاء السياسيون ليس ماركة تجارية مسجلة باسم أحد منكم، إن الحوار الوطني المرتقب ليس بضاعة للمتاجرة، إن الحوار الوطني المرتقب ليس لعبة بأيديكم، إنه ملك الشعب البحريني، الذي ضاق ذرعاً بألاعيبكم… ماذا تريدون أكثر مما يحصل للوطن، إن الوطن يعيش أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة تكاد تعصف به، وتذهب بالجميع إلى المجهول ماذا ستقولون لأهل الديرة إذا احترقت الديرة؟ هل ينفع الندم؟ إن الشعب البحريني يريد حوار مشاركة وليس حوار مغالبة، يريد حواراً يحقق له العيش الكريم، يريد حواراً يجعله يرفع رأسه عالياً ليقول للعالم إن الحوار صناعة بحرينية بامتياز.
إن الشعب البحريني يسمع ويقرأ عن الحوار المرتقب ولا يرى شيئاً… إنه يسمع ماكينة الطحان «الرحى» ولكنه لا يرى طحيناً! فالتصريحات التي يخرج بها علينا القادة السياسيون من هذا الطرف أو ذاك أصبحت كسوق البورصة، وأصبح المواطن لا يعرف الحقيقة الكامنة التي تقف وراء تلك التصريحات! منذ أسابيع قليلة خرج علينا وزير العدل والشئون الإسلامية بتصريح قال فيه إن باب الحوار مفتوح بشروط ثم في تعديل للتصريح قيل بأنه لا توجد شروط مسبقة للحوار المرتقب، وقبل ذلك بأشهر قليلة خرج علينا مستشار جلالة الملك للإعلام بتصريح لقناة CNN العربية بتصريح مفاده بأن هناك اتصالات للبدء في حوار سياسي ومؤخراً سمعنا عدة تصريحات من مسئولين في الحكومة وكان آخرها تصريح وزيرة الدولة لشئون الإعلام لـ CNN العربية «إن هناك خيوطاً للحوار بدأت مع جمعية الوفاق على أنها تمثل المعارضة».
ويرى النظام السياسي أن يكون الحوار على أساس ميثاق العمل الوطني واتفاقية قيام مجلس التعاون الخليجي. والمعارضة بدورها ومن خلال جمعية الوفاق بالتحديد ترد على تلك التصريحات بالترحيب ولكن بحيث يكون الحوار على أساس وثيقة المنامة ومبادئ ولي العهد السبعة… إلخ وبعد ذلك تأتي تصريحات التيار السياسي السني والذي لم يحدد بعد موقعه السياسي من الإعراب ولا يملك أي برنامج أو وثيقة أو أي موقف محدد من سقف الإصلاح السياسي ويستمر في تكرار رفضه للحوار مع المعارضة إلا بعد أن تعمل على وقف العنف وتهدئة الشارع، فإذا كنتم ترفضون وثيقة المنامة ومبادئ ولي العهد لماذا لا تقدمون البديل والذي يحدد هويتكم!
إن الجميع يعرف بأن السياسة فن الممكن وإن السياسة تقوم على المصالح والتقاطعات والتجاذبات وهي في النهاية عملية تعتمد على الواقعية، فأين فن الممكن والواقعية السياسية من مواقف الأطراف الثلاثة من الحوار؟! إن ما نسمعه عن الحوار المرتقب هي دروشة سياسية بامتياز!!
لا يوجد أدنى شك من أن الحوار المرتقب يبدأ عن طريق فتح النظام السياسي أبوابه الجادة لعملية حوار منتج يحقق الاستدامة السياسية، وهذا غير متوافر مع الأسف الآن لأننا في الحقيقة لم نرَ حتى الآن جدية في موقف النظام من الحوار الوطني المرتقب، والتصريحات التي خرج بها مسئولون حكوميون عن اتصالات بالمعارضة هي بالونات وفقاعات لا أكثر ولا أقل.
إن النظام السياسي في البحرين مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ قرار استراتيجي شجاع ويتمثل في الدعوة الصريحة إلى حوار وطني غير مشروط حوار يحقق نقلة تاريخية للشعب البحريني في تحقيق العدالة والحرية والمساواة، حوار ينتج عنه دستور توافقي عقدي يتسم بالاستدامة كدستور دولة الكويت والذي توافق عليه الشعب الكويتي والحاكم منذ بداية الستينيات من القرن الماضي. دستور يرقى إلى مستوى طموحات وتطلعات الشعب البحريني. إن الشعب البحريني الذي أصبح يعيش الأزمة السياسية ليل نهار… ينتظر المبادرة الجادة والشجاعة من النظام السياسي حيث يكون الحوار الوطني صناعة بحرينية بامتياز قبل أن يذهب ملف أزمة البحرين إلى التدويل… فمن يرفع الشراع!