لم تفهم قيادات جماعة الإخوان المسلمين –حتى الآن– أن الخلاف بينها وبين القوى الوطنية، التى رفضت – منذ البداية – المشاركة فى الجمعية التأسيسية، لم يكن على بعض المقاعد هنا أو هناك، لكنه حول طريقة بناء توافق من أجل صياغة دستور لمصر يجمع المصريين، لا يفرقهم، ولا يُشعِر أحدهم بأن دستور بلاده لا يعبر عنه.
والأصل أن القانون مهمته حماية الأطراف الأضعف فى المجتمع، وتحافظ الدساتير على التوازن بين جميع أطراف المجتمع، وبالتالى لا ينبغى أن تصاغ بمنطق الأغلبية والأقلية، فالأغلبية تصوغ القوانين، وهى تتغير بتغير الأغلبية، لكنها إن قررت صياغة الدساتير نكون أمام بداية طريق انهيار النظام.
وجعلتنا طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية أمام جمعية تفتقر بشدة للكفاءات القادرة على صياغة دستور. وتكشف محاضر جلسات الجمعية التأسيسية أن هناك 24 عضواً من أعضائها لم ينطقوا ببنت شفة خلال ستة أشهر، واقتصر دورهم على التصويت – بما أملى عليهم غالباً – بينما اقتصرت مشاركات 19 عضواً آخرين على طرح تساؤل، أو الحديث مرة واحدة خلال الفترة نفسها! بينما يعمل 22 عضواً من أعضاء الجمعية ما بين مستشارين للرئيس ووزراء فى حكومته! أى أن مشروع الدستور صيغ من 35 عضواً فقط من أصل مائة عضو بالجمعية التأسيسية، بينما اقتصر دور 65 آخرين على تمرير رغبة قيادات الأهل والعشيرة! فأنتجت الجمعية، مشوهة التشكيل، دستوراً مشوهاً، كما حذرت القوى الوطنية التى رفضت المشاركة فى هذه الجريمة منذ البداية.
1- يبدأ الدستور بجملة «هذا هو دستورنا.. وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير»، فهنيئاً للثورة التى صاغ وثيقتها أعداؤها، الذين حرَّموا الخروج على الحاكم، وحرَّضوا ضد الثوار، واتهموهم بتعاطى المخدرات.
2- المادة 14 تنص على ربط الأجر بالإنتاج، وليس بالأسعار! كما لم تتضمن ربط الحد الأدنى بالحد الأقصى للأجور، ولم تحدد الحد الأدنى أو معيار حسابه، وفتحت الباب أمام الاستثناء من الحد الأقصى للأجور.
3- المادة 62 تنص على أن تخصص الدولة للرعاية الصحية نسبة كافية من الناتج القومى، دون تحديد النسبة أو حتى تحديد أولويتها فى الموازنة العامة، وهى صياغة مطاطة، تفتح الباب أمام استمرار الوضع كما هو، بأن يكون إنفاق الدولة على التعليم والصحة مجتمعين أقل من ثلث الإنفاق على الداخلية!
4- المادة 64 تفتح الباب أمام فرض العمل جبراً وبالسخرة بمقتضى قانون.
5- المادة 202 تنص على أن يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات الرقابية. والأصل أن تمارس هذه الأجهزة رقابتها على جميع مؤسسات الدولة – بما فيها مؤسسة الرئاسة – وبالتالى يجب ضمان استقلالها.
6- المادة 48 تسمح بغلق الصحف ووسائل الإعلام بمقتضى حكم قضائى، وهو أمر غير مسبوق فى قوانين ودساتير الدول الديمقراطية، فالمنطقى أنه إذا أخطأ إعلامى أو صحفى تتم معاقبة المخطئ وليس وسيلة الإعلام، والأصل أن الحصول على المعلومات من خلال وسائل الإعلام حق للمواطنين وليس لوسيلة الإعلام أو مالكها! وبالتالى فإن الدستور يعاقب المواطنين المصريين إذا أخطأ الإعلامى.
7- المادة 216 تجعل إدارة الصحف القومية – المملوكة للشعب – من اختصاص الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام، وهى هيئة معينة غير معروف المختص بتعيينها، بينما يفترض أن تكون إدارة هذه المؤسسات من خلال مجالس إدارة منتخبة، لضمان استقلالها.
8- المادة 215 تجعل تنظيم شؤون البث المسموع، والمرئى، والصحافة المطبوعة، والرقمية، والرقابة عليها من اختصاص المجلس الوطنى للإعلام، وهو مجلس معين يسحب من سلطات نقابة الصحفيين ومجلسها المنتخب، بما يهدد استقلال الإعلام، الذى سينظم أموره ويشرف عليه ويراقبه مجلس معين بواسطة السلطة التنفيذية.
9- المادة 149 تعطى الحق – المطلق – لرئيس الجمهورية فى العفو عن العقوبة أو تخفيفها.
10- المادة 176 تجعل من رئيس الجمهورية مصدر قرار تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وهو ما يشكل تدخلاً من السلطة التنفيذية فى السلطة التشريعية، ويهدر مبدأ الفصل بين السلطات.
11- المادة 198 سمحت بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة، دون تحديد تلك الجرائم فى ذات المادة، على الرغم من أن كل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التى وقعت عليها مصر، تحظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى بشكل مطلق، خاصة أن قضاة المحاكم العسكرية ضباط جيش!
12- المادة 166 تحرم المواطنين من حقهم فى التقاضى، وتقصر توجيه الاتهام إلى الوزراء ورئيس الحكومة ـ فى الجرائم التى ترتكب أثناء أو بسبب تأدية وظائفهم – على رئيس الجمهورية أو النائب العام أو ثلث أعضاء البرلمان فقط، ولا يوجه الاتهام ضدهم إلا بعد موافقة ثلثى البرلمان!
13- المادة 102 تؤكد سلطة التشريع المتساوية للمجلسين، ويصبح من غير المفهوم الإبقاء على مجلس الشورى، فى ظل وجود مجلس الشعب «النواب» بالسلطات والصلاحيات ذاتها، وهو ما يكلف خزانة الدولة أموالا بلا مبرر.
14- المادة 128 تعطى الحق لرئيس الجمهورية فى تعيين عُشر أعضاء مجلس الشيوخ، وهذا غير مفهوم، فى ظل أن هذا المجلس له السلطة التشريعية الكاملة لا المتخصصة كما كان فى دستور 1971، عندما كان مجلس الشورى مختصاً بتعديل مواد الدستور والقوانين المكملة للدستور والخطة العامة للدولة والمعاهدات.
15- المادة 104 تعطى رئيس الجمهورية الحق فى الاعتراض على القوانين وردها لمجلس النواب ليوافق عليها بأغلبية الثلثين بدلاً من50% + 1، وهى تضع عراقيل على السلطة التشريعية فى إصدار القوانين، وتسمح بتدخل السلطة التنفيذية فى شؤون السلطة التشريعية.
16- المادة 93 تعطى الحق لرئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان أو عشرين عضواً من أعضائه فى طلب جعل الجلسة سرية، وهو أمر يخل بحق المواطنين فى الرقابة على نوابهم المنتخبين، ويهدر مبدأ الشفافية.
17- المادة 53 تمنع إقامة أكثر من نقابة للمهنة الواحدة، وهى مادة مخالفة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والغرض منها ضرب النقابات المستقلة بعد أن لعبت دوراً مهماً فى الدفاع عن حقوق العمال، والعودة للتنظيم النقابى الواحد، الذى تسيطر عليه السلطة الحاكمة.
18- المادة 47 استثنت من حق الحصول على المعلومات ما يتعلق بالأمن القومى، ولا يوجد تعريف «للأمن القومى»، مما يتيح للحاكم حجب أى معلومات يرى حجبها عن الشعب ومجالسه المنتخبة، بحجة تعلقها بالأمن القومى.
19- المادة 197 تجعل مجلس الدفاع الوطنى، ذا الأغلبية العسكرية، هو المختص بمناقشة موازنة القوات المسلحة، وتعوق عمل المجالس النيابية فى الرقابة على أموال الشعب التى تنفق على القوات المسلحة، وأوجه صرفها، وتحديد أولويات الصرف «تسليح، بدلات ومكافآت»، وأوجبت أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة، وهو ما يعد تدخلاً فى السلطة التشريعية التى تعبر عن إرادة الشعب.
20- المادة 210 جعلت من القائمين على أعمال الاقتراع والفرز فى الانتخابات والاستفتاءات موظفين تابعين للمفوضية العليا للانتخابات، من غير أعضاء السلطة القضائية والهيئات القضائية، بعد عشر سنوات من إقرار الدستور، وهو ما ينال من حيادية المشرفين على تلك الأعمال.
21- المادة 42 تحظر إبعاد مواطن أو تهجيره قسرياً من إقليم الدولة، لكنها لم تحظر إبعاد أى مواطن من مكان لآخر داخل إقليم الدولة، وهو ما حدث كثيراً فى الفترة الماضية فى حالات النزاعات والفتن الطائفية، حيث يتم تهجير المواطنين قسراً من مكان إلى آخر، ومنعهم من العودة لمنازلهم.
22- المادة 51 تجيز حل الجمعيات الأهلية بحكم قضائى، بما يعنى إمكانية معاقبة أعضاء الجمعية الأهلية والمستفيدين من خدماتها، بسبب خطأ ارتكبه مجلس إدارتها أو أحد أعضائه.
23- المادة 52 تجيز حل النقابات والاتحادات التعاونية بحكم قضائى، بما يتعارض مع حق المواطنين فى التنظيم، ويبيح معاقبة كل أعضاء النقابة أو أعضاء الاتحاد التعاونى، بسبب خطأ مجلس الإدارة أو أحد أعضائه.
24- المادة 147 تجعل رئيس الجمهورية المختص بتعيين الموظفين العسكريين، بما يهدد استقلال المؤسسة العسكرية، وما يترتب على ذلك من التبعية السياسية للرئيس، بدلا من الحفاظ على استقلالها وحياديتها والعمل لصالح الشعب.
25- لم ينص الدستور على تعيين نائب لرئيس الجمهورية، وهو مطلب شعبى سابق لقيام الثورة، وتبنته الثورة ضمن مطالبها.
26- المادة 219 تحدد مبادئ الشريعة بالأدلة الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة، دون تحديد لتلك القواعد والمصادر المعتبرة، مما يسهل عملية التلاعب بالتفسيرات لصالح الحاكم! ويخالف فتوى الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت بخصوص طرق ومذاهب التعبد، وكذا تفسير المحكمة الدستورية العليا مبادئ الشريعة، وهو «الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة».
جاء دستوركم فى معظمه مماثلا لدستور1971، وأسوأ منه فى نقاط عدة، وهذا طبيعى فأنتم من وقفتم ضد الثورة فى بدايتها، وتفاوضتم على دماء الشهداء فى منتصفها! والآن تحاولون استنساخ النظام القديم مع تغيير الوجوه بهذا الدستور، فمعركتكم حول تقسيم السلطة، لكن معركة الثورة من أجل إسقاط النظام، وبناء نظام جديد يضمن الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية للمصريين! وبإصراركم على استنساخ نظام مستبد وفاسد خرجت الثورة لإسقاطه تكونون أنتم من استعجلتم الرحيل.
نمساوي عن المصرى اليوم 14/12/2012
© جمعية التجمع القومي الديمقراطي 2023. Design and developed by Hami Multimedia.