هاني الفردان
في المحكمة يوم الأربعاء الماضي، وفي جلسة لم تكن الأولى التي يسرد فيها متهمون قصص وروايات اعتقالهم وتعذيبهم، ولكن كان لجلسة المتهمين ضمن قضية ما يُعرف بـ «أحداث المرفأ المالي»، وقع آخر، وتفاصيل يندى لها الجبين، ويقف عندها الإنسان بإنسانيته ليسأل نفسه أين أوصلتنا الدنيا بعد كل هذا التحضر والرقي.
تفاصيل رواها متهمون، ولكن كان أبرزها ذلك السؤال الذي أصبح متكرراً في كل محاكمة، وقضية يعاد فيها التحقيق والنظر، هل نحن في دولة الإسلام دينها؟
ما الذي جعل المتهمين في مختلف القضايا دائماً ما يسألون هذا السؤال؟
الجواب يأتيك عندما تسمع ما قيل في جلسة استماع قاضي محكمة الاستئناف إلى المتهمين في قضية أحداث المرفأ المالي.
«الوسط» اعتذرت عن نشر جميع التفاصيل التي ذُكرت خلال جلسة المحكمة من قبل المتهمين، لما تتضمنه من تفاصيل قد تخدش حياء القارئ، وفي نظري قد تهين أيضاً إنسانيته وكرامته وخلقه ودينه، لمجرد سماعها، فما بالكم لمن وقع في حقه أثرها.
روايات أبكت من هم في قاعة المحكمة، وأفرحت في الوقت ذاته من ماتت ضمائرهم، وتجردوا من إنسانيتهم.
روايات لقصص تعذيب مريرة وقعت خلف جدران صماء، وفي زمن عانى فيه من عانى.
أحد المتهمين روى أمام القاضي واعتذر قبل ذلك لكل الحاضرين، لأنه سيسرد شيئاً بالتأكيد لن يتصوروا أنه حدث، كما أنه راعى شعورهم وإنسانيتهم، لمجرد سرده لقصته ومعاناته، التي لم تُراعَ من عديمي الإنسانية.
«عُلقت عارياً واغتصبت ومن ثم صعقت كهربائياً» فقرة اختصرت فيها حديثاً طويلاً، ولصعوبة سرد كل ما قيل، ولفداحة الجرم الخطير.
فقرة أحاول الهروب فيها من محاذير النشر، ليس لوجود «رقيب» بل لاعتبارات أخلاقية ومهنية وإنسانية ودينية.
كل شيء يمكن أن يصفوه بـ «الإرهاب»، حتى لو كانت بقدر حجر رمي على نافذة مدرسة من طفل غاضب مثلاً، فيروج إعلامياً، ويستنكر محلياً ودولياً، ولكن أن يهتك عرض رجل وهو مقيد أثناء التحقيق، من قبل سيدة، وبعد ذلك يصعق كهربائياً في مناطق حساسة، ومن ثم تعاد الكرَّة من قبل ما أسموهم بـ «الأسود» ليجبر على توقيع أوراق واتهامات ليدان بعدها، هي البطولة في نظرهم، والشرف والشهامة الأصيلة في اعتقادهم.
هذا هو ديدنهم.